للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْترى بعضُ الهاشميّين غُلَاما فصيحاً فَبلغ الرشيد خَبره، فَأرْسل إِلَيْهِ يَطْلُبهُ. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لم أشتره إِلَّا لَك، فلمّا وقف الْغُلَام بَين يَدي الرّشيد قَالَ لَهُ: إنّ مَوْلَاك قد وهبك لي. فَقَالَ الْغُلَام: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا زِلْتُ وَلَا زُلْتُ. قَالَ: فَسِّر. فَقَالَ: مَا زِلتُ لَك وَأَنا فِي مِلكه وَلَا زُلتُ عَن مِلكه، فأُعجب الرّشيد بِهِ وقدّمه. قَالَ أَبُو العيناء: مَرَرْت بسُوق النخّاسين بِالْبَصْرَةِ، فَإِذا غُلَام يُنادي عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ دِينَارا والغلام يُساوي خَمْسمِائَة دِينَار، فاشتريته وَكنت أبني دَارا فَدفعت إِلَيْهِ عشْرين دِينَارا على أَن يُنفقها، فَلم أزل أصك عَلَيْهِ حَتَّى أنْفق نَحْو الْعشْرَة. ثمَّ صككت بِشَيْء آخر. فَقَالَ لي: فَأَيْنَ أصل المَال؟ قلتك ارْفَعْ إِلَيّ حِسَابك، فَرفع حِسَاباً بِعشْرَة دَنَانِير. فَقلت: فأَين الْبَاقِي؟ قَالَ: اشْتريت ثوبا مصمتاً وقطعته. قلت: من أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: إنّ أهل المُرَوَّات والأقدار لَا يعيبون على غلمانهم إِذا فعلوا فعلا يعود زِينَة عَلَيْهِم. قَالَ: فقلتُ فِي نَفسِي: أشتريتُ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي وَلم أدر. وَكَانَت فِي نَفسِي امْرَأَة أردْت تزوجّها فَقَالَت يَا غُلَام: فِيك خير. قَالَ: وَهل الْخَيْر إِلَّا فِي. فَقلت لَهُ: قد عزمت على كَذَا. وتزوجتها ودفعتُ إِلَى الْغُلَام دِينَارا وقلتُ لَهُ: خُذ لنا سمكًا هازبي، فَأَبْطَأَ وَاشْترى مارماهي فأنكرت عَلَيْهِ خلافي. فَقَالَ يَا مولَايَ: فكّرتُ فَإِذا بُقراط يَقُول: الهازبي يُولد السّوداء والمارمَاهي أقلّ غائلة. قلت: لَا الَّذِي بقُراط أَنْت أم جالينوس وأدخلته الْبَيْت وضربته عشرَة، فَلَمَّا قَامَ أَخَذَنِي وضربني سَبْعَة وَقَالَ يَا مولَايَ: الْأَدَب ثَلَاثَة وَسَبْعَة لَهَا قِصاص، فغاظني ورميته فشججته، فَمضى إِلَى ابْنه عمي وَقَالَ لَهَا: الدّين النَّصِيحَة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من غَشنَا فَلَيْسَ منّا. وَقَالَ: مولى الْقَوْم مِنْهُم: وأعلمك أنّ مولَايَ تزوّج وَاسْتَكْتَمَنِي، فَلَمَّا أعلّمتُه أَنِّي مُعرفّك مَا فعل شجنّي، فوجّهت إِلَى بنت عمى بغِلمان، فبطِحت فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>