للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّار وَضربت وسمتّه النّايح، فَمَا كَانَ يتهيأ لي كَلَامه. فَقلت: اعتقه، فلعلّه يمْضِي عني، فلزمني ولذّ بِي وَقَالَ: الْآن وَجب حَقك عَليّ، ثمَّ إنّه أَرَادَ الحجّ، فجهزّته، فَغَاب عني عشْرين يَوْمًا وَرجع فَقلت: لم رجَعْتَ؟ فَقَالَ: قُطع علينا وفكّرتُ، فَإِذا الله جلّ وعزّ يَقُول: " وَالله على الناسِ حج البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليْه سبِيلاً " وَكنت غير مُستطيع وَإِذا حَقك أوجَبُ على فرَجَعْتُ، ثمَّ إِنَّه أَرَادَ الْغَزْو فجهّزتُه، فَلَمَّا صَار على عشرَة فراسخ بعتُ مَا كَانَ لي بِالْبَصْرَةِ وَخرجت عَنْهَا خوفًا أَن يرجع وصرت إِلَى بَغْدَاد. قَالَ بَعضهم: استعرضْتُ غُلَاما فَقلت لَهُ: يَا غُلَام تحبّ أَن أشتريك. فَقَالَ: حَتَّى أسأَل عَنْك. أعتق عبد الله بن جَعْفَر غُلَاما، فَقَالَ الْغُلَام: أكتُب كَمَا أملي. قَالَ: فأملِ. قَالَ: اكتُب: كنتَ بالأمسِ لي، فوهَبْتُك لمن وهَبَكَ لي، فَأَنت الْيَوْم وَالْيَوْم صرت مثلي، فَكتب ذَلِك وَاسْتَحْسنهُ وزاده خيرا. قَالَ حَمَّاد بن إِسْحَاق الْموصِلِي: كَانَ لأبي غُلَام يسْتقي المَاء لمن فِي دَاره على بغْلَين، فَانْصَرف أبي يَوْمًا وَهُوَ يَسُوقُ الْبَغْل وَقد قَرُب من الْحَوْض الَّذِي يصُبّ فِيهِ المَاء. فَقَالَ: مَا خبَرُك يَا فتح؟ قَالَ: خبري أنّه لَيْسَ فِي الدّار أشقي منّي ومنك. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: لِأَنَّك تُطعمهم الخُبز وَأَنا أسقيهم المَاء، فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ: فَمَا تحب أَن أصنع بك؟ قَالَ: تعتقني وتهب لي هذَيْن البغلين، فَفعل ذَلِك. استعرض رجلغلاما فَقَالَ لَهُ: أشتريك؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: وَلم؟ قَالَ: كَيفَ تتخذني عبدا بعد أَن اتخذتني مُشِيرا. وَقَالَ رجل لعَبْدِهِ: اذْهَبْ إِلَى الْمنزل واحمل الشمع لأعود بِهِ فَقَالَ: أَنا لَا أجسر. فَقَالَ: معي حَتَّى أحملهُ وننصرف جَمِيعًا. وَالْحَمْد لله حق حَمده وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد وَآله.

<<  <  ج: ص:  >  >>