للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الآخر لِأَخِيهِ وَرَأى حرصه على الطّلب: يَا أخي، أَنْت طَالب ومطلوب، يطلبك من لَا تفوته، وتطلب مَا قد كفيته، فَكَأَن مَا غَابَ عَنْك قد كشف لَك، وَمَا أَنْت فِيهِ قد نقلت عَنهُ. يَا أخي: كَأَنَّك لم تَرَ حَرِيصًا محروماً، وَلَا زاهداً مرزوقاً. ذمّ أَعْرَابِي رجلا فَقَالَ: أَنْت وَالله مِمَّن إِذا سَأَلَ ألحف، وَإِذا سُئِلَ سَوف، وَإِذا حدث خلف، وَإِذا وعد أخلف، تنظر نظرة حسود، وَتعرض إِعْرَاض حقود. قَالَ بَعضهم، مضى سلف لنا اعتقدوا منناً، وَاتَّخذُوا الأيادي عِنْد إخْوَانهمْ ذخيرة لمن بعدهمْ، وَكَانُوا يرَوْنَ اصطناع الْمَعْرُوف عَلَيْهِم فرضا وَإِظْهَار الْبر وَالْإِكْرَام عِنْدهم حَقًا وَاجِبا، ثمَّ حَال الزَّمَان عَن نشء آخر حدثوا، اتَّخذُوا مننهم صناعَة وأياديهم تِجَارَة، وبرهم مُرَابحَة، واصطناع الْمَعْرُوف بَينهم مقارضة، كنقد السُّوق، خُذ مني وهات. افْتتح بَعضهم خطْبَة فَقَالَ: بِحَمْد الله كَبرت النعم السوابغ، والحجج البوالغ، بَادرُوا بِالْعَمَلِ، بَوَادِر الْأَجَل، وَكُونُوا من الله على وَجل، فقد حذر وأنذر، وأمهل حَتَّى كَأَن قد أهمل. وَفد هَانِئ بن قبيصَة على يزِيد بن مُعَاوِيَة فاحتجب عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ إِن يزِيد ركب يَوْمًا يتصيد، فَتَلقاهُ هَانِئ فَقَالَ: إِن الْخَلِيفَة لَيْسَ بالمحتجب المتخلي، المتنحي، وَلَا بالمتطرف المتنحي وَلَا الَّذِي ينزل على العدوات والفلوات، ويخلو باللذات والشهوات، وَقد وليت أمرنَا، فأقم بَين أظهرنَا، وَسَهل إذننا واعمل بِكِتَاب الله فِينَا، فَإِن كنت عجزت عَمَّا هَاهُنَا، واخترت عَلَيْهِ غَيره، فازدد علينا بيعتنا، نُبَايِع من يعْمل بذلك فِينَا ونقمه، ثمَّ عَلَيْك بخلواتك، وصيدك وكلابك. قَالَ: فَغَضب يزِيد وَقَالَ: وَالله لَوْلَا أَن أسن بِالشَّام سنة الْعرَاق لأقمت أودك. ثمَّ انْصَرف وَمَا هاجه بِشَيْء وَإِذن لَهُ وَلم تَتَغَيَّر مَنْزِلَته عِنْده، وَترك كثيرا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ. كَانَ العيالمي يَقُول: النَّاس لصَاحب المَال ألزم من الشعاع للشمس وَمن

<<  <  ج: ص:  >  >>