قيل لأعرابي: مَا تَقول فِي الجري. قَالَ: تَمْرَة نرسيانة غراء الطّرف، صفراء السائر، عَلَيْهَا مثلهَا من الزّبد، أحب إِلَيّ مِنْهَا وَلَا أحرمهُ. وَقَالَ آخر: كن حُلْو الصَّبْر عِنْد مر النَّازِلَة. وَمر أَعْرَابِي فِي أطمار رثَّة بِرَجُل فَقَالَ الرجل: وَالله مَا يسرني أَنِّي كنت ضيفك فِي لَيْلَتي هَذِه. فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: أما وَالله لَو كنت ضَيْفِي، لغدوت من عِنْدِي أبطن من أمك قبل أَن تضعك بساعة، أما الله إِنَّا وجدناك آكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمحروم. قَالَ أَعْرَابِي: رب موثق مؤبق. قيل لآخر: أتشرب النَّبِيذ؟ فَقَالَ: وَالله مَا أرْضى عَقْلِي مجتمعاً فَكيف أفرقه؟ . وَقيل لآخر: أما تشرب؟ قَالَ: أَنا لَا أشْرب مَا يشرب عَقْلِي. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَعْرَابِيًا وَالْإِبِل قد مَلَأت الْوَادي فَقلت: لمن هَذِه؟ فَقَالَ: لله فِي يَدي. قَالَ أَبُو العيناء: أضفت أَعْرَابِيًا قدم من الْمَدِينَة، فَلَمَّا قعدنا نَأْكُل، جعلت أذكر غلاء السّعر فِي تِلْكَ السّنة، فَرفع الْأَعرَابِي يَده عَن الطَّعَام، وَقَالَ: لَيْسَ من الْمُرُوءَة ذكر غلاء الأسعار للضيف. فَقَامَ، فاجتهدت بِهِ أَن يَأْكُل شَيْئا فَأبى، وَانْصَرف. حكى عَن حُصَيْن بن أبي الْحر قَالَ: وفدت إِلَى مُعَاوِيَة فطلبت عَامر بن عبد قيس فَقَالَ لَا تريه بِالنَّهَارِ فَأَتَيْته عِنْد الْمغرب وَهُوَ يتعشى، فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام، وَلم يدعني إِلَى عشائه وَلم يسألني عَن أَهله، فَقلت: الْعجب مِنْك لم تدعني إِلَى عشائك وَلم تَسْأَلنِي عَن أحد من أهلك، فَقَالَ: أما عشائي فخشن، وَأَنت قد تعودت النِّعْمَة، فَكرِهت أَن أحملك من تجشمه على مَا يشق عَلَيْك. وَأما أَهلِي، فَأَنا أعرف أخبارهم، الْمَاضِي فَلَا يرجع إِلَيْهِم، وَأما الْبَاقِي فَلَا حق بِمن مضى مِنْهُم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute