للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ هَانِئ قبيصَة بن مَسْعُود الشَّيْبَانِيّ يَوْم ذِي قار يحرض بني وَائِل: الحذر لَا يُنجي من الْقدر، والدنية أغْلظ من الْمنية، واستقبال الْمَوْت خير من استدباره، والطعن فِي الثغر، خير وَأكْرم مِنْهُ فِي الدبر، يَا بني: هَالك مَعْذُور، خير من نَاجٍ فرور، قَاتلُوا، فَمَا للمنايا من بُد. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: يَا بني تَمِيم لَا يفوتنكم وعظي إِن فاتكم الدَّهْر بنفسي، إِن بَين حيزومي وصدري لبحراً من الْكَلم، لَا أجد لَهُ مواقع غير أسماعكم، وَلَا مقار إِلَّا قُلُوبكُمْ فتلقوها بأسماع صَافِيَة، وَقُلُوب وَاعِيَة، تحمدوا عواقبها: إِن الْهوى يقظان، وَالْعقل رَاقِد، والشهوات مُطلقَة، والحزم مَعْقُول، وَالنَّفس مُهْملَة، والروية مُقَيّدَة، وَمن يجهل التواني، وَيتْرك الروية يتْلف الحزم. وَلنْ يعْدم المشاور مرشداً، والمستبد بِرَأْيهِ مَوْقُوف على مداحض الزلل، وَمن سمع سمع بِهِ، ومصارع الْأَلْبَاب تَحت ظلال الطمع، وَلَو اعْتبرت مواقع المحن، مَا وجدت إِلَّا فِي مقَاتل الْكِرَام، وعَلى الِاعْتِبَار طَرِيق الرشاد، وَمن سلك الجدد أَمن العثار، وَلنْ يعْدم الحسود أَن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، وَلَا يُجَاوز ضره نَفسه. يَا بني تَمِيم: الصَّبْر على جرع الْحلم، أعذب من جني ثَمَر النَّدَم، وَمن جعل عرضه دون مَاله، استهدف الذَّم، وكلم اللِّسَان، أنكى من كلم الحسام، والكلمة مزمومة مَا لم تنجم من الْفَم، فَإِذا نجمت فَهِيَ سبع محرب، أَو نَار تلهب، وَلكُل خافية مختفٍ، وَرَأى الناصح اللبيب دَلِيل لَا يجور، ونفاذ الرَّأْي فِي الْحَرْب، أنفذ من الطعْن وَالضَّرْب. اسْتَشَارَ قومٌ أَكْثَم بن صَيْفِي فِي حربٍ أرادوها، وسألوا أَن يوصيهم، فَقَالَ: أقلوا الْخلاف على أمرائكم، وَاعْلَمُوا أَن كَثْرَة الصياح من الفشل، والمرء يعجز

<<  <  ج: ص:  >  >>