للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأوصى عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي فَقَالَ: يَا بني إِنِّي قد بلغت من الْهَرم مَا لم يبلغهُ أحد من آبَائِي إِلَّا جدي: تِلْكَ الرجل كَانَ ملك جده فَسُمي الرجلُ لكماله، وَلَا بُد من أَمر مقتبل، وَأَن ينزل بِي مَا نزل بِالْآبَاءِ والأجداد والأمهاتِ والأولادِ، وَإِنِّي وَالله مَا عيرت رجلا قطّ بِشَيْء إِلَّا وعيرني بِمثلِهِ، وَإِن حَقًا فحقاً، وَإِن كَانَ بَاطِلا فباطلاً، من سبّ يسب، فكفوا عَن الشتم، فَإِنَّهُ أسلم لأعراضكم، وصلوا أَرْحَامكُم، تعمر داركم، وأكرموا جاركم، يحسن ثناؤكم، وزوجوا بَنَات الْعم بني الْعم، فَإِن تعديتم بِهن إِلَى الغرباء، فَلَا تألوا بِهن عَن الْأَكفاء، وابعدوا بيُوت الرِّجَال عَن النِّسَاء، فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ، وأعف للذّكر، فَإِذا كَانَت المعاينة واللقاء، فَفِي ذَلِك داءٌ من الأدواء، وَلَا خير فِيمَن لَا يغار لغيره، كَمَا يغار لنَفسِهِ، وَقل من انتهك حُرْمَة لغيره، إِلَّا انتهكت مِنْهُ حرمته، وامنعوا ضيم الْغَرِيب من الْقَرِيب، فَإنَّك تذل على قريبك وَلَا يجمل بك ذل غريبك، فَإِذا تنازعتم فِي الدِّمَاء، فَلَا يكونن حقكم اللِّقَاء، وَرب رجل خير من ألف، وود خير من خلف، وَإِذا حدثتم فعوا، وَإِذا حدثتم فأوجزوا، فَإِن مَعَ الْإِكْثَار يكون الإهذار، وَمَوْت عَاجل خير من ضنى آجل، وَمَا بَكَيْت من زمَان إِلَّا دهاني بعده زمَان، وَرُبمَا شجاني من لم يكن أمره عناني، وَلَا عجبت من أحدوثة إِلَّا رَأَيْت بعْدهَا أعجوبة، وَاعْلَمُوا أَن أَشْجَع الْقَوْم العطوف، كَمَا أَن أكْرم الحتوف قتل بِالسُّيُوفِ، وَلَا خير فِيمَن لَا روية لَهُ عِنْد الْغَضَب، وَلَا من إِذا عوتب لم يعتب، وَمن النَّاس من لَا يُرْجَى خَيره، وَلَا يخَاف شَره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره، وَلَا تَبْرَحُوا فِي حبكم، فَإِنَّهُ من برح فِي حب، آل ذَلِك إِلَى قَبِيح البغض، وَكم من قد زارني وزرته، فَانْقَلَبَ الدَّهْر بِنَا فبرته، وَقل مَا رَأَيْت غَضبا إِلَّا فترته أكتسب بغضاً، وَاعْلَمُوا أَن الْحَلِيم سليم، وَأَن السَّفِيه كليم، إِنِّي لم أمت، وَلَكِنِّي هرمت، ودخلتني ذلة فسكنت، وَضعف قلبِي فأهترت سلمكم ربكُم وحياكم. أوصى تَمِيم بن مر فَقَالَ: يَا بني عَلَيْكُم بِلَا، فَإِنَّهَا ترفع للحنين وَإِيَّاكُم وَنعم، فَإِنَّهَا رجا للمين، وَعَلَيْكُم بِالْمَسْأَلَة، فَإِنَّهُ است الْمَسْئُول أضيق، وَلَا تحقروا الْيَسِير أَن تأخذوه، فَإِن الْيَسِير إِلَى الْيَسِير كثير، واستعيروا وَلَا تعيروا، واظهروا للنَّاس من الْحَاجة لكَي لَا تسألوا فتمنعوا فَتكون استاهم هِيَ الضيقة، وَإِن

<<  <  ج: ص:  >  >>