للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُبمَا غَابَتْ أَيَّامًا ثمَّ تعود إِذا طلبت، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تأبق قَالَ: نعم، قَالَ: لَا عَلَيْك أَنا وَالله أعلم النَّاس بأثر الذَّر على الصَّفَا، فلتأخذ أَي طَرِيق شَاءَت فَإنَّا نردها، ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: إِنَّهَا رُبمَا نَامَتْ فقطرت مِنْهَا القطرة بعد القطرة، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تبول بالفراش؟ قَالَ: نعم، قَالَ: لَا عَلَيْك فَإِنَّهَا لَا تتوسد عندنَا إِلَّا التُّرَاب، فلتبل كَيفَ شَاءَت، ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: أَنَّهَا رُبمَا عبثت بالشَّيْء تَجدهُ عندنَا، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تسرق مَا تَجِد.؟ قَالَ: نعم قَالَ: لَا عَلَيْك فَإِنَّهَا وَالله مَا تَجِد مَا يقوتها، فَكيف مَا تسرقه، وَأخذ بِيَدِهَا وَانْطَلق بهَا. قيل لأعرابي: أَيَسُرُّك أَنَّك نَبِي؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم.؟ قَالَ: يطول سَفَرِي، وأهجر دَار قومِي، وأنذر بِالْعَذَابِ عشيرتي، قيل لَهُ: فيسرك أَنَّك خَليفَة؟ قَالَ: لَا، قيل: وَلم؟ قَالَ: ينقص عمري وَيكثر تعبي، وَلَا تكبروني، أَمْشِي وحدي، قيل: أَيَسُرُّك أَن تدخل الْجنَّة وَأَنت باهلي؟ قَالَ: على أَن لَا يعرف فِيهَا نسبي. سمع أَعْرَابِي قوما يَقُولُونَ: إِذا كَانَ للْإنْسَان على شحمة أُذُنه شعر كَانَ دَلِيلا على طول عمره، فَضرب يَده على شحمة أُذُنه فَوجدَ عَلَيْهَا شعرًا فَقَالَ: أَنا بِاللَّه وَبِك. قيل لأعرابي مَا ترى يصنع الْخَلِيفَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم الشَّديد الْبرد. قَالَ: تَجدهُ قد أَخذ لحم جزورٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وقدرة تمر بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَبَين يَدَيْهِ قَصْعَة لبن، وَقد اسْتقْبل الشَّمْس بِوَجْهِهِ، واحتبى بكسائه فيكدم هَذَا مرّة وَهَذِه مرّة ويتحسى من اللَّبن مرّة. وقفت أعرابية على قوم يصلونَ جمَاعَة فَلَمَّا سجدوا صاحت وَقَالَت: صعق النَّاس وَرب الْكَعْبَة. قيل لأعرابي: أتعرف إِبْلِيس؟ قَالَ: أما الثَّنَاء عَلَيْهِ فسيء، وَالله أعلم بسريرته. وَدخل آخر مَسْجِدا وَالْإِمَام يقْرَأ: " حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير " فَقَالَ الْأَعرَابِي: والكامخ فَلَا تنسه أصلحك الله. وَسمع آخر رجلا يقْرَأ: " وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون " فَقَالَ: يَا بن عَم، إِنَّه لبعيد سحيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>