للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: بلَى، وَلكنه أكل من شعير الْأَمِير فتبخت. اشْترى رجلٌ من الْأَعْرَاب شَاة على أَنَّهَا تحلب قَفِيزا فَإِذا هِيَ تحلب أقل من ذَلِك، فَقَالَ لأَصْحَابه: تَشْهَدُون بِي على شاتي هَذِه أَنَّهَا تسرق السّمع، فَأتى بهَا أَبَا عَطاء فَقَالَ: أصلحك الله، إِن هَذَا بَاعَنِي شَاة على أَنَّهَا تحلب قَفِيزا، وَامْرَأَته طَالِق إِن لم يكن عوج عِنْدهَا فِي الْأكل جَائِع وَهَذِه، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة يشْهدُونَ على مَا قلت، فَالْتَفت إِلَيْهِم فَقَالَ: أتشهدون على شَهَادَة محدودة؟ قَالَ أَوَّلهمْ: أشهد أَنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على شَيْء طوله أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فأكلته حَتَّى بلغت طرفه فَقَالَ للثَّانِي: بِمَ تشهد؟ قَالَ: أشهد أَنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على قدر لرجل من الْجِيرَان يطْبخ فِيهَا لحم، فَأكلت اللَّحْم وحسيت المرق وَكسرت الْقدر، وَضربت عظما برجلها، فشحب القَاضِي وَهُوَ لَهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ للثَّالِث: بِمَ تشهد قَالَ: أشهد إِنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على جمَاعَة تبول، فَأكلت بَعْضهَا صحاحاً، وَبَعضهَا مقطعاً، فَقَالَ أَبُو عَطاء للرابع: لَا تشهد بِشَيْء، فَإِنِّي أخْشَى أَن يشْهد أَنَّهَا أهلكت رجلا فآخذك بِالدِّيَةِ. وَكَانَ ورد على كَافِي الكفاة أَبُو الْفضل ابْن العميد، وَقَبله شيخ حسن الْهَيْئَة والشيبة والشارب وَالْبزَّة، يرجع إِلَى فضل كثير، ويفتق فِي الْعُلُوم، وَيَقُول شعرًا جيداًُ وَكَانَ مشغوفاً بِالْكَذِبِ، وَكَانَت لَهُ أوابد، وعجائب، يحدث بهَا عَن نَفسه وَلَا يتحاشى من كَبِير وَلَا صَغِير، مِمَّا حكى أَنه قَالَ: إِنِّي سلكت طَرِيقا بالروم فِي شدَّة الْبرد، فَلَمَّا ارْتَفع النَّهَار سمعنَا فِي الْهَوَاء أصواتاً مختلقةً، وكلاماً عَالِيا، وَلم نر أحدا، فَإِذا قومٌ كَانُوا سلكوا طَرِيقا فَقطعُوا الطَّرِيق قبلنَا فِي اللَّيْل، وجمدت أَصْوَاتهم من شدَّة الْبرد فِي الجو، فَلَمَّا حمى النَّهَار وطلعت الشَّمْس على الْأَصْوَات الجامدة، ذَابَتْ، فَكُنَّا نسمعها، وَوَاحِد يَقُول: اشْدُد الرحل، وَآخر يَقُول: اسرج الدَّابَّة، وَمَا يجانس ذَلِك من كلامٍ حفظ عَنْهُم. وَذكر أَنه وجد فِي هَذَا الطَّرِيق جبلا أسود، فَشد بِهِ رَحْله، فَلَمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، تقطع وطار وَسقط رَحْله على الطَّرِيق، وَأَن ذَلِك كَانَ من اجْتِمَاع خطا طيف كَثِيرَة أَصَابَهَا الْبرد، فَادْخُلْ كل وَاحِد رَأسه فِي است الآخر، وَصَارَت على هَيْئَة الْجَبَل، فَلَمَّا مَسهَا حر الشَّمْس طارت {}

<<  <  ج: ص:  >  >>