وَلما قُتل بزرجمهر بعث إِلَى ابْنَته فَجَاءَتْهُ مكشوفة الرَّأْس، فَلَمَّا رَأَتْهُ غطت رَأسهَا، فَقَالَ أنوشروان: سلوها عَن ذَلِك فَقَالَت: مَا رَأَيْت أحدا حَتَّى رَأَيْته. قَالَ سَابُور: " لم أهزل فِي أَمر وَلَا نهى قطّ، وَلم أخلف وَعدا وَلَا وعيداً قطّ، وولّيت للغناء لَا للهوى، وَضربت للأدب لَا للغضب، وأودعت فِي قُلُوب الرّعية الْمحبَّة من غير جرْأَة، والهيبة من غير ضغينة، وعممت بالقوت، ومنعت الفضول ". سُئِلَ أنوشروان أَي الْأَشْيَاء أَحَق بالتقاء؟ قَالَ: أعظمها مضرَّة، قيل: فَإِن جُهل قدر الْمضرَّة؟ قَالَ: أعظمها من الْهوى نَصِيبا. وَقَالَ: " لَا تنزلن بِبَلَد لَيْسَ فِيهِ خَمْسَة أَشْيَاء: سُلْطَان قاهر، وقاض عَادل، وسوق قَائِمَة، وطبيب عَالم، ونهر جَار ". وَسَأَلَ كسْرَى موبذه: أَيّمَا أَكثر الشَّيَاطِين أَو النَّاس؟ فَقَالَ: إِن حسبت الأكراد والرعاة والعامة وَأهل الْأَسْوَاق من النَّاس فَإِن النَّاس لَهُ كثير. وَيُقَال: إِن كسْرَى أنزل الكتّاب كلواذي، وَكَانُوا يأْتونَ فِي كل يَوْم فيعملون عَمَلهم ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ، وفرّق إذْنهمْ، فَكَانَ يَأْذَن لَهُم فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة؛ ليشغلهم ببعد الْمسَافَة، وَلِئَلَّا يجتمعوا فيدبّروا على الْملك. وَكَانُوا يَقُولُونَ: " كل عَزِيز دخل تَحت الْقُدْرَة فَهُوَ ذليل، وكل مَقْدُور عَلَيْهِ مَمْلُوك محقور ". قَالَ بزرجمهر: " من أحبك نهاك وَمن أبغضك أغراك ". وَقيل لَهُ: هَل من أحد لَا عيب فِيهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا عيب فِيهِ الَّذِي لَا يَمُوت. وَقَالَ كسْرَى: أَي شَيْء أضرّ؟ فَأَجْمعُوا على الْفقر، فَقَالَ: الشُّح أضرّ مِنْهُ؛ لِأَن الْفَقِير قد يُصِيب الفرجة. وَسُئِلَ أنوشروان عَن مَنْفَعَة الْوَلَد الصَّالح قَالَ: يستلذ بِهِ الْعَيْش، ويهون بِهِ الْمَوْت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute