للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعمَّال وظلم الْوُلَاة، فَتلك منزلَة يظْهر بهَا سوء أثر الْعمَّال وَضعف الْملك وإخلاله بِمَا تَحت يَده، وَإِمَّا للدَّفْع بِمَا يلْزمهُم من الْحق، وَالْكَسْر لَهُ، فَهَذِهِ خلة يفْسد بهَا أدب الرّعية، وتنتقص بهَا الْأَمْوَال، فاحذر ذَلِك، وعاقب الملجئين والملجأ إِلَيْهِم. وَفِي كتاب للموبذ إِلَى هُرْمُز بن سَابُور: فَأَما وزراء الْملك فَيجب أَن يختارهم من أهل بَيت الوزارة والحسب وَالْعقل وَالصَّلَاح والتجربة والأناة ومحض الطَّاعَة وَشدَّة الاهتمام بصلاح الْخَاصَّة والعامة، وَقلة الشره والحرص على الدُّنْيَا. وَلَا يُؤثر على الْملك قَرِيبا وَلَا بَعيدا، وَلَا يمالئ عَلَيْهِ لرغبة وَلَا رهبة، وَلَا يلتمسه شَيْئا يَرْجُو بِهِ نفعا، أَو يخَاف بِهِ ضراً، وَأَن يُطِيع آراءهم، ويتهم بَعضهم على بعض، وَألا يُطمع أحدا فِي أَعْمَالهم، وَلَا فِي الإصغاء إِلَيْهِ، فَإِن الْوَزير: الناصح أَكثر النَّاس لَهُ عَامَّة وبطانة الْملك قرَابَته خَاصَّة، وَمَا شَيْء أزين للْملك وَلَا أَنْفَع وَلَا أَعُود عَلَيْهِ من الْوَزير الناصح. وَقَالَ أبرويز لوزيره: اكتم السِّرّ، واصدق فِي الحَدِيث، واجتهد فِي النَّصِيحَة، واحترس بالحذر، فعلي أَلا أعجل عَلَيْك حَتَّى أستأني، وَلَا أقدم عَلَيْك حَتَّى أستيقن وَلَا أطمع فِيك فأغتالك. وَقَالَ لكَاتبه: إِنَّمَا الْكَلَام أَرْبَعَة أَقسَام: سؤالك الشَّيْء، وسؤالك عَن الشَّيْء، وامرك بالشَّيْء، وخبرك عَن الشَّيْء، فَهَذِهِ دعائم المقالات، إِن التمس إِلَيْهَا خَامِس لم يُوجد، وَإِن نقص مِنْهَا وَاحِد لم تتيم، فَإِذا طلبت فَأَسْجِحْ، وَإِذا سَأَلت فأوضح، وَإِذا أمرت فاحتم، وَإِذا خبّرت فحقق. وصف رجل أنوشروان فَقَالَ: كَانَ وَالله من أَصْبِر النَّاس، قيل: وَمَا بلغ من صبره؟ فَقَالَ: كَانَ لَهُ كَاتب بليد فَكَانَ يكْتب لَهُ تذكرة بحوائجه فينسى التَّذْكِرَة. يَقُولُونَ: للوزير على الْملك، وللكاتب على الصاحب ثَلَاث خِصَال: رفع الْحجاب عَنهُ، واتهام الوشاة عَلَيْهِ، وإفشاء السِّرّ إِلَيْهِ. وحُكي أَن سَابُور اسْتَشَارَ وزيرين كَانَا لَهُ، فَقَالَ أَحدهمَا: " لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يستشير منا أحدا إِلَّا خَالِيا بِهِ، فَإِنَّهُ أصون للسر، وأحزم فِي الرَّأْي، وأدعى

<<  <  ج: ص:  >  >>