وَفِي عهد سَابُور إِلَى ابْنه: وزيرك فَلْيَكُن مَقْبُول القَوْل عنْدك، رفيع الْمنزلَة لديك، يمنعهُ مَكَانَهُ مِنْك، وَمَا يَثِق بِهِ من لطافة مَنْزِلَته عنْدك، من الخنوع لأحد والضراعة إِلَى أحد، والمداهنة لأحد فِي شَيْء مِمَّا تَحت يَدَيْهِ؛ لتبعثه الثِّقَة بك على مَحْض النَّصِيحَة لَك، والمنابذة لمن أَرَادَ غشك وانتقاصك حَقك، وَإِذا أورد عَلَيْك رَأيا يخالفك وَلَا يُوَافق الصَّوَاب عنْدك، فَلَا تجتهد جهد الظنين، وَلَا ترده عَلَيْهِ بالتجهم، فيفتّ فِي عضده ذَلِك، ويقبضه إثباتك كل رَأْي يلوح لَهُ صَوَابه، با اقبل مَا رضيت من رَأْيه وَقَوله، وعرفه مَا تخوفت من ضَرَر الرَّأْي الَّذِي انصرفت عَنهُ، لينْتَفع بأدبك فِيمَا يسْتَقْبل النّظر فِيهِ، وَاحْذَرْ كل الحذر من أَن تنزل بِهَذِهِ الْمنزلَة سوى وزيرك مِمَّن يطِيف بك من خاصتك وخدمك، أَو أَن تسهّل لأحد مِنْهُم السَّبِيل إِلَى الانبساط بالنطق عنْدك، والإفاضة فِي أَمر رعيتك وعملتك، فَإِنَّهُ لَا يوثق بِصِحَّة رَأْيهمْ، وَلَا يُؤمن الانتشار فِيمَا ائتمنوا عَلَيْهِ من السِّرّ المكتوم من سواهُم. وَفِي هَذَا الْعَهْد: وَاعْلَم أَن قوام أَمرك بدرور الْخراج، ودرور الْخراج بعمارة الْبِلَاد، وبلوغ الْغَايَة فِي ذَلِك باستصلاح أَهله بِالْعَدْلِ عَلَيْهِم، والمعاونة لَهُم؛ فَإِن بعض ذَلِك لبَعض سَبَب، وعوّام النَّاس لخواصهم عدَّة، وَبِكُل صنف مِنْهُم إِلَى الآخر حَاجَة، فاختر لذَلِك أفضل من تقدر عَلَيْهِ من كتّابك، وليكونوا من أهل الْبَصَر والعفافا والكفاية، وَأسْندَ إِلَى كل امْرِئ مِنْهُم شِقْصا يضطلع بِهِ، ويمكنه تَعْجِيل الْفَرَاغ مِنْهُ، فَإِن اطَّلَعت على أَن أحدا مِنْهُم خَان أَو تعدى فنكّل بِهِ، وَبَالغ فِي عُقُوبَته، وَاحْذَرْ أَن تسْتَعْمل على الأَرْض الْكثير خراجها إِلَّا الْبعيد الصَّوْت، الْعَظِيم شرف الْمنزلَة، وَلَا توايّنّ أحدا من قواد جندك الَّذين هم عدَّة للحروب، وجنة من الْأَعْدَاء خراجاً؛ فلعلك تهجم من بَعضهم على خِيَانَة الْأَمْوَال، وتضييع للْعَمَل، فَإِن سوّغته المَال وأغضبت لَهُ عَن التضييع كَانَ ذَلِك إهلاكاً وإضراراً بالرعية وداعية إِلَى فَسَاد غَيره، وَإِن أَنْت كافأته فقد استفدته وأضغنت صَدره، وَهَذَا أَمر توقّيه حزم، والإقدام عَلَيْهِ خرق، وَالتَّقْصِير فِيهِ عجز. وَفِيه: وَاعْلَم أَن من أهل الْخراج من يلجئ بعض أرضه وضياعه إِلَى خَاصَّة الْملك وبطانته لأحد أَمريْن، أَنْت حري بكراهتهما: إِمَّا للامتناع من جور
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute