للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بزرجمهر: إِذا كَانَ الْقدر حَقًا فالحرص بَاطِل، وَإِذا كَانَ الْغدر فِي النَّاس طباجاً فالثقة بِكُل أحد عجز، وَإِذا كَانَ الْمَوْت لكل أحد راصداً فالطمأنينة إِلَى الدُّنْيَا حمق. قَالَ أردشير: " إصْلَاح الشيم بالقناعة، ونمو الْعقل بِالْعلمِ ". كتب أنوشروان إِلَى مرازبة خُرَاسَان: عَلَيْكُم بِأَهْل الشجَاعَة والسخاء فَإِنَّهُم أهل حسن الظَّن بِاللَّه. وَقَالَ بعض حكمائهم: لَو كَانَ الإفراط مَحْمُودًا فِي شَيْء مَا كَانَ إِلَّا فِي الْحلم والجود، وَلَو تلاحى فيهمَا الإفراط والاعتدال لَكَانَ الِاعْتِدَال أولاهما بالذم؛ لِسَلَامَةِ الْجُود من جَمِيع الْعُيُوب. كتب أبرويز من حَبسه إِلَى ابْنه: إِن كلمة مِنْك تسفك دَمًا، وَإِن أُخْرَى مِنْك تحقن دَمًا، وَإِن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عَلَيْهِ، وَإِن رضاك بركَة مستفيضة على من رضيت عَنهُ، وَإِن نَفاذ أَمرك مَعَ ظُهُور كلامك، فاحترس فِي غضبك من قَوْلك أَن يُخطئ، وَمن لونك أَن يتَغَيَّر، وَمن جسدك أَن يخف؛ فَإِن الْمُلُوك تعاقب قدرَة، وَتَعْفُو حلماً، وَمَا يَنْبَغِي للقادر أَن يستخف وَلَا للحليم أَن يزدهى، فَإِذا رضيت فابلغ بِمن رضيت عَنهُ يحرض سواهُ على رضاك، وَإِذا سخطت فضع من سخطت عَلَيْهِ يهرب من سواهُ من سخطك، وَإِذا عَاقَبت فانهك لِئَلَّا يتَعَرَّض لعقوبتك، وَاعْلَم أَنَّك تجل عَن الْغَضَب، وَأَن الْغَضَب يصغر عَن ملكك، وقدّر لسخطك من الْعقَاب كَمَا تقدّر لرضاك من الثَّوَاب. وَكتب إِلَيْهِ رِسَالَة: لَا زَالَت النِّعْمَة عِنْد الأجواد، وَالسُّلْطَان فِي أهل الْعلم، وَالْعدْل فِي الحكّام؛ لِأَن بِنِعْمَة الأجواد يعم الدُّنْيَا الخصب، وبعلم الْملك يَشْمَل النَّاس الْأَمْن، وبعدل الحكّام تَخْلُو الدُّنْيَا من الظُّلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>