للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلس كسْرَى للمظالم فَتقدم إِلَيْهِ رجل قصير وَجعل يَصِيح أَنا مظلوم، وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الموبَذ: انْظُر فِي أمره، قَالَ كسْرَى: الْقصير لَا يَظْلمه أحد، فَقَالَ الرجل: أَيهَا الْملك، الَّذِي ظَلَمَنِي هُوَ أقصر مني، فَضَحِك وَنظر فِي أمره. وَقَالَ بزرجمهر: الْفَرَاغ يهيّج الفكرة، والفكرة تهيّج الْفِتْنَة. قَالَ أنوشروان: النَّاس ثَلَاث طَبَقَات، تسوسهم ثَلَاث سياسات: طبقَة من خَاصَّة الْأَبْرَار، يسوسهم الْعَطف واللين وَالْإِحْسَان، وطبقة من خَاصَّة الأشرار تسوسهم الغلظة والشدة والعنف، وطبقة هم الْعَامَّة، يسوسهم اللين والشدة، لِئَلَّا تحرجهم الشدَّة، وَلَا يبطرهم اللين. وَقَالُوا: الْتِقَاط الرشى وَضبط الْملك لَا يَلْتَقِيَانِ. كَانَت الْفرس تَقول: نَحن لَا نملك من يحْتَاج أَن يشاور، فَقَالَ بَعضهم: نَحن لَا نملك من يَسْتَغْنِي عَن المشورة. قيل لأنوشروان: مَا وثائق الحزم؟ قَالَ: أَن يخْتل الْأَعْدَاء من المَال، فَإِن النَّاس أَتْبَاعه. قَالَ بعض مُلُوكهمْ: يكَاد الْملك أَن يكون مستغنياً عَن كل شَيْء إِذا كَانَ حكيماً إِلَّا عَن شَيْء وَاحِد وَهُوَ المشورة. قَالَت أم بزرجمهر: يَا بني ركُوب الْأَهْوَال يَأْتِي بالغنى، وَهُوَ أوثق أَسبَاب الفناء. وَأوصى بعض مُلُوكهمْ ابْنه فَقَالَ: أطلق من النَّاس عقد كل حقد، واقطع عَنْهُم سَبَب كل وتر، وتغاب عَن كل دنية، وَلَا تركبن شُبْهَة، وَلَا تعجل إِلَى تَصْدِيق ساع، فَإِن السَّاعِي غاش، وَإِن قَالَ قَول النصيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>