للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مر عبد الله بن الْمُبَارك بِرَجُل وَاقِف بَين مَقْبرَة ومزبلة فَقَالَ: يَا رجل، إِنَّك بَين كنَزين: كنزِ الْأَمْوَال، وكنز الرِّجَال. دخل الْإِسْكَنْدَر مَدِينَة فتحهَا، فَسَأَلَ عَن أَوْلَاد الْمُلُوك بهَا، فَقَالَ أَهلهَا: بَقِي رجل مِنْهُم يسكن الْمَقَابِر، فَدَعَا بِهِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا دعَاك إِلَى لُزُوم الْمَقَابِر؟ قَالَ: أَحْبَبْت أَن أميز بَين عِظَام مُلُوكهمْ وَعِظَام عبيدهم، فوجدتهما سَوَاء، فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَر: هَل لَك أَن تتبعني فأحيي شرفك وَشرف آبَائِك إِن كَانَت لَك همة؟ فَقَالَ: همتي عَظِيمَة، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: حَيَاة لَا موت مَعهَا وشباب لَا هرم مَعَه، وغنىً لَا فقر مَعَه، وسرور لَا مَكْرُوه فِيهِ، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي هَذَا، قَالَ: فَدَعْنِي أَلْتَمِسهُ مِمَّن هُوَ عِنْده. قَالَ مطرف: إِنِّي لأستلقي بِاللَّيْلِ على فِرَاشِي فأتدبر الْقُرْآن كُله، فَأَعْرض نَفسِي على أَعمال أهل الْجنَّة فَأرى أَعْمَالهم شَدِيدَة " كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون ". " يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما ". " أمّن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا ". " تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع ". فَلَا أرى صِفَتي فيهم. ثمَّ أعرض نَفسِي على أَعمال أهل النَّار " مَا سلككم فِي سقر ". " وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين " فَلَا أَرَانِي فيهم. ثمَّ أمرّ بِهَذِهِ الْآيَة " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ " فأرجو أَن أكون أَنا وَأَنْتُم يَا إِخْوَاننَا مِنْهُم. قَالَ يحيى بن معَاذ: الْوَعْد حق الْخلق على الله، فَهُوَ أَحَق من وفى، والوعيد حَقه على الْخلق، فَهُوَ أَحَق من عَفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>