للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا عَمْرو، من أَحَق بِالتَّسْلِيمِ مِمَّن لَا يجد مهربا من طالبها إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا معينا لَهُ إِلَّا عوناً إِلَيْهِ؟ . يَا عَمْرو، انْظُر مِمَّا جزعت، وَمَا استنكرت، وَمَا تحاول؟ فَإِن كَانَ الْجزع ردك إِلَى ثِقَة من دَرك الطّلبَة، وَكنت قَوِيا على رد مَا كرهت، فَكيف تعجز من الْغَلَبَة على مَا أحبهت؟ فَإِن كنت حاولت - مَغْلُوبًا - فَمن أفنى الْقُرُون الأولى قبلك؟ . يَا عَمْرو، إِنَّه من يتَنَاوَل ثَمَرَة مَا لَا يكون اسْتَقَرَّتْ فِي يَدَيْهِ الخيبة. أَفَمَن هَذَا الْمَعْدن ترجو دَرك الْغَنِيمَة؟ . با عَمْرو، " إِن أعظم الْمُصِيبَة سوء الْخلف مِنْهَا ". يَا عَمْرو، " إِن الْعلم لَا ينَال إِلَّا بالتعلم " فَمن رَأَيْت تعلم مَا لَا يعلم، وَأدْركَ مَا لَا يكون فِيمَن كَانَ قبلك؟ . يَا عَمْرو، فَمَا غناؤك فِي طلب من فِي طَلَبك أم كَيفَ رَجَوْت رَجْعَة مَالك إِلَيْك وَأَنت تساق إِلَيْهِ؟ وَمَا جزعك على الظاعن عَنْك الْيَوْم وَأَنت مرتحل فِي طلبه غَدا؟ وَمَا طمعك فِي رد مَا هُوَ كَائِن بِمَا لَا يكون، فأفق فَإِن الْمرجع قريب، وَلَا تمعن فَيضر بك الْعَمى، وتنوهك الْجَهَالَة، وَأَنت ذُو الْحَظ الْكثير من الدُّنْيَا فِي قسمك، وأخو ذِي الْملك فِي قرابتك، وَابْن الْمُلُوك المتبعن فِي نسبك، قد أَتَاك الْخَبَر فِي كل مَا قَالُوا، وَأَنت غافل، فَلَا تكونن فِي الشُّكْر دون الْحق عَلَيْك. يَا عَمْرو، إِنَّمَا ابتلاك بالمصيبة الْمُنعم، وَأخذ مِنْك الْعَطِيَّة الْمُعْطِي، وَمَا يُرِيد أَكثر، فَإِن نسيت الصَّبْر فَلَا تغفل الشُّكْر، وكلا فَلَا تدع. يَا عَمْرو، إِنَّه لَا أغْنى من منعم، وَلَا أحْوج من منعم عَلَيْهِ وَاحْذَرْ من الْغَفْلَة استلاب النعم وَطول الندامة. وَاعْلَم أَنه لَا أضيع مِمَّن غفل عَن نَفسه وَلَا يغْفل عَنهُ طَالبه. يَا عَمْرو، إِن أَخَاك قد برز لعَظيم صلتك، ولاستكمال كرامتك ولطف بِمَا ترَاهُ لموعظتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>