للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقد تقَارب تسلب فَاحش، أَو عَطاء زل، فاستصلحوا مَا تقدمون عَلَيْهِ بِمَا تظعنون عَنهُ، واسلكوا سبل الْخَيْر، وَلَا تستوحشوا فِيهَا لقلَّة أَهلهَا، واذْكُرُوا حسن صحابة الله إيَّاكُمْ. أَيهَا النَّاس، إِنِّي أعظكم وأبدأ بنفسي، فاستبدلوا العوارى بالهبات، وارضوا بِالْبَاقِي خلفا، من الفاني تلفاً، وَاحْتَملُوا المصائب بالحسبة تستجلبوا بهَا النعماء واستديموا الْكَرَامَة بالشكر تستوجبوا الزياجة، واعرفوا الْفضل فِي الْبَقَاء فِي النِّعْمَة، والغنى فِي السَّلامَة قبل الْمثلَة الْفَاحِشَة، أَو المثلات السَّيئَة، وَقبل انْتِقَال النعم، ودول الْأَيَّام، وَتصرف الخطوب. أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا أَنْتُم فِي هَذِه الدُّنْيَا أغراض تنضل فِيكُم المنايا، وَمَا أَنْتُم فِيهِ نهب للمصيبات: مَعَ كل جرعة لكم شَرق، وَفِي كل أَكلَة لكم غصص، لَا تنالون نعْمَة إِلَّا بِفِرَاق أُخْرَى، وَلَا يسْتَقْبل معمر مِنْكُم يَوْمًا من عمره إِلَّا بهدم آخر من أَجله، وَلَا تجدّد لَهُ زِيَادَة فِي أكله إِلَّا بإنفاد مَا قبله من رزقه، وَلَا يحيا لَهُ أثر إِلَّا مَاتَ لَهُ أثر، فَأنْتم أعوان الحتوف على أَنفسكُم، وَفِي معايشكم أَسبَاب مناياكم، لَا يمنعكم شَيْء مِنْهَا، وَلَا يغيبكم شَيْء عَنْهَا، لَهَا بِكُل سَبَب مِنْكُم صريع يحتزز، ومقرب ينْتَظر، لَا ينجو من حبائلها الحذر، وَلَا يدْفع عَن مقاتله الأريب، وَهَذِه أَنفسكُم تسوقكم إِلَى الفناء، فَلِمَنْ تطلبون الْبَقَاء؟ وَهَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار لم يرفعا شَيْئا شرفاً إِلَّا أَسْرعَا الكرة على هدم مَا شرفا بتفريق مَا جمعا. أَيهَا النَّاس، اطْلُبُوا الْخَيْر ووليه، واحذروا الشَّرّ ووليه. وَاعْلَمُوا " أَن خيرا من الْخَيْر معطيه، وشراً من الشَّرّ فَاعله ". ذكر أَن قس بن سَاعِدَة كَانَ يخْطب متوكئاً على عَصا فَيَقُول: مطر ونبات، وآباء وَأُمَّهَات، وذاهب وَآت، وآيات فِي إِثْر آيَات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وَأَيَّام، وفقير وغني، وَسَعِيد وشقي، ومحسن

<<  <  ج: ص:  >  >>