قَالَ أَبُو العنبس: سَأَلت أَبَا الْفضل بن الراشدية الْحَنْبَلِيّ المتصوف، فَقلت: يَا أَبَا الْفضل، صف لي الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: قوم أحرزوا براهينهم فِي الهرر، واستعملوا قبل ذَلِك الحذر، وَعَلمُوا ان الْأُمُور بِقَضَاء وَقدر. قلت: رَحِمك الله، فَصف لي أهل التَّوَكُّل. قَالَ: نعم، قوم تركُوا سَعَة الطَّرِيق، وسلكوا سبل الْمضيق، واستعملوا الْحَرَكَة بالشهيق، فَخرجت براهينهم وَلها بهيق. قلت: رَحِمك الله. فَمَا عَلامَة حب الْآخِرَة؟ قَالَ: أَن ترى أَعينهم ساهرة، وَقُلُوبهمْ طائرة، حَتَّى يضعوا الْبَرَاهِين فِي الْمَوَاضِع الغائرة. قلت: رَحِمك الله، فَمَا عَلامَة صدق الْمَوَدَّة؟ قَالَ: تراهم إِذا انكشفت حقائق الظُّهُور، وَبَلغت الْبَرَاهِين الصُّدُور، وَاشْتَدَّ الِاضْطِرَاب الْمَقْدُور، ظهر الكيد المستور، فَإِنَّهُ خرج من التَّنور. قلت: رَحِمك الله، فَمَا عَلامَة الرِّفْق؟ قَالَ: اللطف لإِخْرَاج الكيد من الْحَقِيقَة، إِذا كَانَت الطبيعة رقيقَة. قلت: فَمَا عَلامَة المؤيدين؟ قَالَ: إِذا كَانَ أول لَيْلَة من رَجَب، رَأَيْتهمْ قد جثوا على الركب، فوضعوا الْبَرَاهِين فِي الثقب، بِلَا كد وَلَا تَعب. قلت: فَمَا عَلامَة التقى؟ قَالَ: أَن ترى أَعينهم نَائِمَة، وَقُلُوبهمْ هائمة، وبراهينهم قَائِمَة. قلت: فَصف لي أهل الْإِخْلَاص؟ قَالَ: نعم، اعْلَم أَن لله عباداً عاينوا الْحَقَائِق بمكنون الْإِضْمَار، فَصَارَت الكمرات مِنْهُم كالمنار، وطلبوا الطَّرِيق إِلَى الِاعْتِبَار، فَالْتَفت السَّاق بالساق، وتبدت الأفخاذ بالزاق، فيا حسنهم فِي الشهيق والحنين، والزفير والأنين، حَتَّى إِذا صبّوا مَاء الصفاء، على حافات أَنهَار الْوَفَاء، وانتزعوا الْأَعْوَر الغريق، على رَأسه شَيْء أَحْمَر رَقِيق، فَذَاك عَلامَة التَّوْفِيق. قلت: فعلامة الْأَمَانَة؟ قَالَ: قوم أخرجُوا الكيد من السيدانة، وَهُوَ أَحْمَر مثل الرمانة. قلت: فعلامة الْخِيَانَة؟ قَالَ: إِذا وضع أحدهم الدِّرْهَم فِي الشدق والمرديّ فِي البثق، ثمَّ انتزعه بِرِفْق، رَأَيْت على رَأسه مثل الدبق. قلت: كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الْمصر؟ قَالَ: أَن تَأْخُذ الشوذر بالقهر، فتضع البيرم فِي الْحفر، وتُظهر الِاضْطِرَاب عِنْد المتر، تنجو بذلك من أهوال يَوْم الْحَشْر. قلت: فعلامة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute