خرج أَبُو العيناء - وَهُوَ ضَرِير لَهُ نيّف وَتسْعُونَ سنة - إِلَى الْبَصْرَة فِي سفينة فِيهَا ثَمَانُون نفسا، فغرقت فَلم يسلم غَيره، فَلَمَّا صَار إِلَى الْبَصْرَة توفّي بهَا وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. كَانَ الْوَاقِدِيّ شَيخا سَمحا، وأظله شهر رَمَضَان، وَلم تكن عِنْده نَفَقَة، فَاسْتَشَارَ امْرَأَته بِمن ينزل خلّته من إخوانه؟ فَقَالَت: بفلان الْهَاشِمِي. فَأَتَاهُ فَذكر لَهُ خلته فَأخْرج لَهُ صرة فِيهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار فَقَالَ: وَالله مَا أملك غَيرهَا. فَأَخذهَا الْوَاقِدِيّ. فساعة دخل منزله جَاءَهُ بعض أخولته وشكا إِلَيْهِ، خلته فَدفع إِلَيْهِ الصرة بختمها، وَعَاد صَاحب الصرة إِلَى منزله. فَجَاءَهُ الْهَاشِمِي فَشَكا خلته فَنَاوَلَهُ الصرة فعرفها الْهَاشِمِي، فَقَالَ لَهُ: من أَيْن لَك هَذِه؟ فحدثه بِقِصَّتِهِ، فَقَالَ: قُم بِنَا إِلَى الْوَاقِدِيّ، فَأتوهُ. فَقَالَ لَهُ الْهَاشِمِي: حَدثنِي عَنْك وَعَن إِخْرَاج الصرة فحدثه الحَدِيث على وَجهه فَقَالَ الْهَاشِمِي: فأحق مَا يعْمل فِي هَذِه الصرة أَن نقتسمها ونجعل فِيهَا نَصِيبا للْمَرْأَة الَّتِي وَقع اخْتِيَارهَا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا. جَاءَ وَفد من الْيمن فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، لقد أَحْيَانًا الله تَعَالَى ببيتين من شعر امْرِئ الْقَيْس. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: أَقبلنَا نريدك حَتَّى إِذا كُنَّا بِموضع كَذَا وَكَذَا أَخْطَأنَا المَاء، فَمَكثْنَا ثَلَاثًا لَا نقدر عَلَيْهِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَوضِع طلح وَسمر، فَانْطَلق كل رجل منا إِلَى أصل شَجَرَة ليَمُوت فِي ظلها. فَبينا نَحن فِي آخر رَمق، إِذا رَاكب قد أقبل معتم، فَلَمَّا رَآهُ بَعْضنَا تمثل: لما رَأَتْ أَن الشَّرِيعَة همها ... وَأَن الْبيَاض من فرائصها دامي تيممت الْعين الَّتِي عِنْدهَا ضارج ... يفِيء عَلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute