للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قارف الزهرى ذَنبا فاستوحش من النَّاس، وهام على وَجهه، فَقَالَ زيد رَحمَه الله: يَا زهرى، لقنوطك من رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شيءٍ أَشد عَلَيْك من ذَنْبك. فَقَالَ الزُّهْرِيّ: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته، وَرجع إِلَى أَهله وَمَاله وَأَصْحَابه. من خطبه لزيد رَضِي الله عَنهُ. أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله، الَّتِي من اكْتفى بهَا كفته، وَمن اجتن بهَا وقته. هِيَ الزَّاد وَلها الْمعَاد؛ زادٌ مبلغٌ، ومعادٌ منجٍ. دَعَا إِلَيْهَا أسمع دَاع، ووعاها خير واعٍ، فأعذر داعيها، وفاز واعيها. عباد الله: إِن تقوى الله حمت أَوْلِيَاء الله مَحَارمه، وألزمت قُلُوبهم مخافته حَتَّى أَسهرت ليلهم، وَأَظْمَأت هواجرهم، فأحذوا الرَّاحَة بِالنّصب، والر بالظمإ، وقربوا الْأَجَل فبادروا الْعَمَل، وكذبوا الأمل، ولاحظوا الْأَجَل. " طُوبَى لَهُم وَحسن مآب ". ثمَّ إِن الدُّنْيَا دَار فناءٍ وعناء، وغيرٍ وَعبر، فَمن العناء أَن الْمَرْء يجمع مَا لايأكل، وَيَبْنِي مَالا يسكن، ثمَّ يخرج إِلَى الله عز وَجل لَا مَالا حمل وَلَا بِنَاء نقل. وَمن الفناء أَن الدَّهْر موترٌ قوسه ثمَّ لَا تخطئ سهامه، وَلَا تشوى جراحه، يرْمى الْحَيّ بِالْمَوْتِ، والحيح بالعطب، آكل لَا يشْبع، وشاربٌ لَا يرْوى. وَمن غَيرهَا أَنَّك تلقى المحروم مغبوطاً، والمغبوط محروماً، لَيْسَ ذَلِك إِلَّا نعيماً زَالَ وبؤسا نزل. وَمن عبرها أَن المشرف على أمله يقطعهُ أَجله، فَلَا أمل يدْرك، وَلَا مومل يتْرك، فسبحان الله، مَا أغر سرورها، وأظمأ ريها، وأضحى فَيْئهَا! فَكَأَن الَّذِي كَانَ من الدُّنْيَا لم يكن، وَكَأن الَّذِي هُوَ كائنٌ فِيهَا قد كَانَ، صَار أَوْلِيَاء الله فِيهَا إِلَى الْأجر بِالصبرِ، وَإِلَى الأمل بِالْعَمَلِ، جاوروا الله فِي دَاره ملوكاً خَالِدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>