للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِن الله خلق موتا بَين حياتين؛ موتا بعده حَيَاة، وحياةً لَيْسَ بعْدهَا موتٌ. وَإِن أَعدَاء الله نظرُوا فَلم يَجدوا شَيْئا بعد الْمَوْت إِلَّا وَالْمَوْت أَهْون مِنْهُ، فسألوا الله عز وَجل الْمَوْت، فَقَالُوا: " بِمَالك ليَقْضِ علينا رَبك قَالَ إِنَّكُم مكثون ". وَإِن أَوْلِيَاء الله نظرُوا فَلم يَجدوا شَيْئا بعد الْمَوْت إِلَّا وَالْمَوْت أَشد مِنْهُ، فسألوا الله الْحَيَاة جزعاً من الْمَوْت، وَلكُل مِمَّا هُوَ فِيهِ مزِيد. فسبحان الله، مَا أقرب الْحَيّ من الْمَيِّت باللحاق بِهِ، وَمَا أبعد الْمَيِّت من الْحَيّ لانقطاعه مِنْهُ! . إِنَّه لَيْسَ شيءٌ بخيرٍ من الْخَيْر إِلَّا ثَوَابه، وَلَيْسَ شيءٌ بشر من الشَّرّ إِلَّا عِقَابه، وكل شيءٍ من الدُّنْيَا سَمَاعه أعظم من عيانه، وكل شيءٍ من الاخرة عيانه أعظم من سَمَاعه، فلكفكم من السماع العيان، وَمن الْغَيْب الْخَبَر. إِن الَّذِي أمرْتُم بِهِ أوسع مِمَّا نهيتم عَنهُ، وَمَا أحل لكم أَكثر مِمَّا حرم عَلَيْكُم، فذروا مَا قل لما كثر، وَمَا ضَاقَ لما اتَّسع، قد تكفل لكم بالرزق، وأمرتم بِالْعَمَلِ، فَلَا يكونن الْمَضْمُون لكم طلبة أولى بكم من الْمَفْرُوض عَلَيْكُم، مَعَ أَنه وَالله، قد اعْترض الشَّك، ووحل الْيَقِين، حَتَّى كَأَن الَّذِي ضمن لكم قد فرض عَلَيْكُم، وَكَأن الَّذِي فرض عَلَيْكُم قد وضع عَنْكُم؛ فبادروا الْعَمَل، وخافوا بَغْتَة الْأَجَل؛ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى من رَحْمَة الْحَيَاة مَا يُرْجَى من رَحْمَة الرزق؛ فَإِن مَا فَاتَ الْيَوْم من الرزق يُرْجَى غَدا زِيَادَته، وَمَا فَاتَ أمس من الْعُمر لم يرج الْيَوْم رجعته، الرَّجَاء مَعَ الجائي، واليأس مَعَ الْمَاضِي و " اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ ". وَمن خطْبَة لَهُ: أوصيكم بتقوى الله؛ فَإِن الْمُوصى بهَا لم يدّخر نصيحةً، وَلم يقصر فِي الإبلاغ؛ فَاتَّقُوا الله فِي الْأَمر الَّذِي لَا يصل إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْء إِن أصبتموه، وَلَا ينقص مِنْهُ شيءٌ إِن جهلتموه، وأحملوا فِي طلب أُمُوركُم، وَلَا تستعينوا بِنِعْمَة الله - عز وَجل - على مَعْصِيَته. وَقَالَ زيد لِابْنِهِ رَضِي الله عَنْهُمَا: يَا بني ان الله - عز وَجل - لم يرضك لى فأوصاك بى ورضينى لَك فحذرنيك وَاعْلَم أَن خير الْآبَاء للأ بِنَاء من لم

<<  <  ج: ص:  >  >>