للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلحظون العواقب لحظك. فَكُن لي عَلَيْهِم نَصِيرًا، وَمِنْهُم مجيراً، يجزك جزائك عَن صلَة الرَّحِم وَقطع الظُّلم إِن شَاءَ الله. وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " والموفون بعهدهم إِذا عهدوا وَالصَّابِرِينَ فِي البأسآء والضرآء وَحين الْبَأْس ". وَقَالَ عز وَجل: " وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسئولا ". قَرَأت كتاب أُمِّي رالمؤمنين وتفهمته، وأمعنت النّظر فِيهِ كَمَا أَمر وتبحرته، فَوجدت أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا يزيدني لينقصني، ويقربني ليبعدني، وَمَا أَجْهَل مَا لي فِي رِضَاهُ من الْحَظ الجزيل، والأثر الخطير. وَلَكِن سامني مَا تشح بِهِ الْأَنْفس وتبذل دونه، وَمَا لَا يسمح بِهِ والدٌ لوالده مَا دَامَ لَهُ حَظّ. وَقد علم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه يُرِيد هَذَا الْأَمر لِابْنِهِ لَا لَهُ، وَهُوَ صائرٌ إِلَيْهِ أشغل مَا يكون عَنهُ، وأحوج إِلَى حسنةٍ قدمهَا وسيةٍ احتنبها. وَلَا صلَة فِي مَعْصِيّة الله، وَلَا قطيعة مَا كَانَت فِي ذَات الله. وَقد دعيت إِلَى مَا لَا صَبر عَلَيْهِ وَمَا لم ير غَيْرِي أجَاب إِلَيْهِ، من حل العقد وَنقض الْعَهْد، وَهَذَا هِشَام بن عبد الْملك، ملك عجز دولةٍ طَالَتْ أيامهم فِيهَا، وَكَثُرت صنائعهم بهَا. فَلم يمت حَتَّى حضر بَين يَدَيْهِ عشرةٌ من وَلَده، أسغرهم فِي سنّ من يُرِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ رَفعه بوضعي وصلته بقطعي، فَلم ير أَن ينْقض مَا عقده أَخُوهُ يزِيد بن عبد الْملك لِابْنِهِ الْوَلِيد بن يزِيد بعده، وَهُوَ يقاسي مِنْهُ عنتاً، ويتجرع لَهُ غيظاً، خوفًا على الْملك، وإشفاقاً من الْملك، وحذراً من مغبة الظُّلم وتأسيس الْغدر، حَتَّى سلم إِلَيْهِ الْأَمر أَغضّ مَا كَانَ وأنضره - وَرَآهُ غَالِبا على أمره موكلاً بخزائنه، وروحه بعد فِي جسه، وَلسَانه دائرٌ فِي فَمه، وَأمره نافذٌ فِي رَعيته. لَو تقدم بسوءٍ فِيهِ لأسرع بِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ أَكثر مَا عِنْده لما عرف، وامتلأ بِأَصْحَابِهِ دَاره - تحسرا وتأسفاً: إِنَّا لله. لَا أَرَانِي إِلَّا خَازِنًا للوليد إِلَى الْيَوْم. اللَّهُمَّ أَنْت لي، فقد حضر أَجلي على سوءٍ من عَمَلي. وَمَا هشامٌ بِأَعْلَم من أَمِير الْمُؤمنِينَ بِاللَّه، وَلَا أقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِذا أمضى أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهَذَا سنة فِي حَدَاثَة ملك وأوائل دولةٍ، لَا يُؤمن أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>