للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستن بِهِ وَلَده وَيَقَع مِنْهُ مَا تلاقى لَهُ، وَلَا بقيا مَعَه وأمير الْمُؤمنِينَ يعلم أَن من جعل هَذَا الْأَمر إِلَيْهِ وَله، منغير شَرط فِيهِ عَلَيْهِ - محكمٌ فِي تَدْبيره، مخبر فِي تصريفه، وَلَا شَرط على فِي تَسْلِيم المر من بعدِي إِلَى أحد ذكر وَلَا شخص عين، وَقد جعلته لمُحَمد بعدِي، طَالبا بذلك رضَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وتابعاً مُوَافَقَته، وتاركاً مُخَالفَته؛ فَإِن رأى أُمِّي رالمؤمنين أَن يرْعَى سالفتي وَقَرَابَتِي، وَيعرف اجتهادي ومناصحتي، وَيذكر مخالطتي وكفايتي، وَيقبل ذَلِك مني، وَيَأْمُر بكف الذى عني فعل إِن شَاءَ الله. فَكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور جَوَابا أغْلظ فِيهِ وخوفه بادرة أهل خُرَاسَان فأنعم لَهُ بِمَا أَرَادَ من تَقْدِيم الْمهْدي على نَفسه، ثمَّ سَأَلَهُ الْمهْدي لما أفْضى الْأَمر إِلَيْهِ أَن يخلع نَفسه وَيجْعَل الْعَهْد لمُوسَى ابْنه، فَفعل. وَكَانَ يَقُول: مَا لقى أحدٌ مَا لقِيت. كل أَهلِي أمنُوا بعد خوفٍ، وَأَنا خفت بعد أَمن، وسممت مرَّتَيْنِ، وخلعت مرَّتَيْنِ. مَعَ قديم بلائي، وَطول غنائي. كَانَ عبد الْملك بن صَالح والياً للرشيد على الشَّام. فَكَانَ إِذا وَجه سَرِيَّة إِلَى أَرض الرّوم أَمر عَلَيْهَا أَمِيرا شهما، وَقَالَ لَهُ: اعْلَم أَنَّك مضَارب الله بخلقه؛ فَكُن بِمَنْزِلَة التَّاجِر الْكيس، إِن وجد ربحا تجر، وَإِلَّا احتفظ بِرَأْس المَال، وَكن من احتيالك على عَدوك أَشد حذرا من احتيال عَدوك عَلَيْك. وَولى الْعَبَّاس بن زفر الثغر، فودعه فَقَالَ يَا عَبَّاس: إِن حصن الْمُحَارب من عدوه حسن تَدْبيره، والمقاتل عَنهُ جليد رَأْيه وَصدق بأسه؛ وَقد قَالَ ابْن هرمه: يُقَاتل عَنهُ النَّاس مجلود رَأْيه ... لَدَى الْبَأْس، والرأي الجليد مقَاتل وَقَالَ لَهُ الرشيد مرّة وَقد غضب عَلَيْهِ: يَا عدي الْملك، وَالله مَا أَنْت لصالح بولدٍ. قَالَ: فَلِمَنْ أَنا؟ قَالَ: لمروان بن مُحَمَّد، أخذت أمك وَهِي حُبْلَى بك، فَوَطِئَهَا على ذَاك أَبوك فَقَالَ عبد الْملك: فحلان كريمان، فَاجْعَلْنِي لمن شِئْت مِنْهُمَا. وَهَذَا شبيهٌ بِمَا قَالَه مَرْوَان بن مُحَمَّد حِين بلغه أَن النَّاس يَقُولُونَ إِن هَذِه الشجَاعَة الَّتِي لأمير الْمُؤمنِينَ لم تكن لِأَبِيهِ وَلَا لجده، وَإِنَّمَا جَاءَتْهُ من قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>