وَقَالَ: من قَالَ لَا ادري عِنْدَمَا لَا يدْرِي، فقد أحرز نصف الْعلم؛ لِأَن الَّذِي لَهُ على نَفسه هَذِه الْقُوَّة؛ فقد دلنا على جودة التثبت، وَكَثْرَة الطّلب، وَقُوَّة الْمِنَّة. وَأوصى الْخَلِيفَة بعده فَقَالَ: أوصيك بتقوى الله وَحده لَا شريك لَهُ، وأوصيك بالمهاجرين الْأَوَّلين خيرا أَن تعرف لَهُم سابقتهم. وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم، وَتجَاوز عَن مسيئهم، وأوصيك بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا، فَإِنَّهُم ردء الْعَدو، وجباة الْفَيْء، لَا تحمل مِنْهُم إِلَّا عَن فضل مِنْهُم. وأوصيك بِأَهْل الْبَادِيَة خيرا، فأنهم أصل الْعَرَب، ومادة الْإِسْلَام، أَن تَأْخُذ من حَوَاشِي أَمْوَالهم فَترد على فقرائهم. وأوصيك بِأَهْل الذِّمَّة خيرا أَن تقَاتل من ورائهم، وَلَا تكلفهم فَوق طاقتهم إِذا أَدّوا مَا عَلَيْهِم للْمُؤْمِنين طَوْعًا، أَو عَن يَد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله، والحذر مِنْهُ، ومخافة مقته أَن يطلع مِنْك على رِيبَة، وأوصيك أَن تخشى الله فِي النَّاس، وَلَا تخش النَّاس فِي الله. وأوصيك بِالْعَدْلِ فِي الرّعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورهم، وَلَا تُؤثر غنيهم على فقيرهم، فَإِن فِي ذَلِك بِإِذن الله سَلامَة لقلبك، وحطاً لوزرك، وَخيرا فِي عَاقِبَة أَمرك، حَتَّى تفضى فِي ذَلِك إِلَى من يعرف سريرتك، ويحول بَيْنك وَبَين قَلْبك. وآمرك أَن تشتد فِي أَمر الله، وَفِي حُدُوده ومعاصيه على قريب النَّاس وبعيدهم، ثمَّ لَا تأخذك فِي أحد الرأفة، حَتَّى تنتهك مِنْهُ مثل جرمه. وَاجعَل النَّاس عنْدك سَوَاء، لَا تبالي على من وَجب الْحق، وَلَا تأخذك فِي الله لومة لائم، وَإِيَّاك والأثرة والمحاباة فِيمَا ولاك الله مِمَّا أَفَاء على الْمُؤمنِينَ، فتجور وتظلم، وَتحرم نَفسك من ذَلِك مَا قد وَسعه الله عَلَيْك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute