وَقد أَصبَحت بِمَنْزِلَة من منَازِل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَإِن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عَمَّا بسط لَك اقترفت بِهِ إِيمَانًا ورضواناً، وَإِن غلبك فِيهِ الْهوى اقترفت بِهِ غضب الله. وأوصيك أَلا ترخّص لنَفسك وَلَا لغَيْرهَا فِي ظلم أهل الذِّمَّة. وَقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة، واخترت من دلالتك مَا كنت دَالا عَلَيْهِ نَفسِي وَوَلَدي، فَإِن عملت بِالَّذِي وعظتك، وانتهيت إِلَى الَّذِي أَمرتك أخذت مِنْهُ نَصِيبا وافراً وحظاً وافياً؛ وَإِن لم تقبل ذَلِك، وَلم يهمك، وَلم تتْرك معاظم الْأُمُور عِنْد الَّذِي يرضى بِهِ الله عَنْك يكن ذَلِك بك انتقاصاً، ورأيك فِيهِ مَدْخُولا؛ لِأَن الْأَهْوَاء مُشْتَركَة، وَرَأس الْخَطِيئَة إِبْلِيس دَاع إِلَى كل مهلكة، وَقد أضلّ الْقُرُون السالفة قبلك، فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود، ولبئس الثّمن أَن يكون حَظّ امْرِئ مُوالَاة لعدو الله، الدَّاعِي إِلَى مَعَاصيه. ثمَّ اركب الْحق، وخض إِلَيْهِ الغمرات، وَكن واعظاً لنَفسك، وأناشدك الله إِلَّا ترحمت على جمَاعَة الْمُسلمين، وأجللت كَبِيرهمْ، ورحمت صَغِيرهمْ، ووقرت عالمهم، وَلَا تضربهم فيذلوا، وَلَا تستأثر عَلَيْهِم بالفيء فتغضبهم. وَلَا تحرمهم عطاياهم عِنْد محلهَا فتفرقهم، وَلَا تجمرهم فِي الْبعُوث فَيَنْقَطِع نسلهم، وَلَا تجْعَل المَال دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْهُم، وَلَا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم. هَذِه وصيتي إِلَيْك، وَأشْهد الله عَلَيْك، وأقرأ عَلَيْك السَّلَام. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: دخلت على عمر رَضِي الله عَنهُ حِين طعن. قَالَ: فتنفس تنفساً عَالِيا، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أخرج هَذَا مِنْك إِلَّا هم. قَالَ: هم شَدِيد لهَذَا الْأَمر الَّذِي لَا أَدْرِي لمن يكون بعدِي. قَالَ: ثمَّ قَالَ: لَعَلَّك ترى صَاحبك لَهَا. يَعْنِي عليا. قلت: وَمَا يمنعهُ فِي قرَابَته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسوابقه فِي الْخَيْر، ومناقبه فِي الْإِسْلَام؟ قَالَ: وَلَكِن فِيهِ فكاهة. قلت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute