وَقَالَ لعبد الله بن عَبَّاس يَوْم صفّين: إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي نَحن وَأَنْتُم فِيهِ لَيْسَ بِأول أَمر قَادَهُ الْبلَاء، وَقد بلغ الْأَمر بِنَا وبكم مَا ترى، وَمَا أبقت لنا هَذِه الْحَرْب حَيَاة وَلَا صبرا، ولسنا نقُول: لَيْت الْحَرْب عَادَتْ، لَكنا نقُول: ليتها لم تكن فَانْظُر فِيمَا بَقِي بِعَين مَا مضى، فَإنَّك رَأس هَذَا الْأَمر بعد عَليّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِير مُطَاع، ومأمور مُطِيع، ومشاور مَأْمُون، وَأَنت هُوَ. نصب مُعَاوِيَة قميس عُثْمَان على الْمِنْبَر، فَبكى أهل الشَّام. فَقَالَ: هَمَمْت أَن أَدَعهُ على الْمِنْبَر. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إِنَّه لَيْسَ بقميص يُوسُف، وَإنَّهُ إِن طَال نظرهم إِلَيْهِ وَبَحَثُوا عَن السَّبَب وقفُوا على مَا لَا تحب، وَلَكِن لذعهم بِالنّظرِ إِلَيْهِ فِي الْأَوْقَات. وَقَالَ لِابْنِهِ وَقد ولي ولَايَة: انْظُر حاجبك فَإِنَّهُ لحمك ودمك، فَلَقَد رَأينَا بصفين وَقد اشرع قوم رماحهم فِي وُجُوهنَا، مَا لنا ذَنْب إِلَيْهِم إِلَّا الْحجاب. وَقَالَ: مَا وضعت سري عِنْد أحد قطّ فأفشاه فلمته، لِأَنِّي أَحَق باللوم أَن كنت أضيق صَدرا مِنْهُ. وَكَانَ بَين طَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر مداراة فِي وَاد بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَا: نجْعَل بَيْننَا عَمْرو بن الْعَاصِ، فَأتيَاهُ فَقَالَ لَهما: أَنْتُمَا فِي فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة الله عَلَيْكُمَا تختلفان، وَقد سمعتما من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا سَمِعت، وحضرتما من قَوْله مثل الَّذِي حصرت، فِيمَن اقتطع شبْرًا م، أَرض أَخِيه بِغَيْر حق أَنه يطوقه من سبع أَرضين. وَالْحكم أحْوج إِلَى الْعدْل من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن الحكم إِذا جَار رزئ فِي دينه، والمحكوم عَلَيْهِ إِذا جير عَلَيْهِ رزئ عرض الدُّنْيَا. إِن شئتما فأدليا بحجتكما، وَإِن شئتما فاصطلحا، وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه الرِّضَا. وَقَالَ: لَيْسَ الْعَاقِل الَّذِي يعرف الْخَيْر من الشَّرّ، وَلكنه الَّذِي يعرف خير الشرين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute