وَكَانَ فِي سفر، ففرفع عقيرته بِالْغنَاءِ، فَاجْتمع النَّاس، فَقَرَأَ فَتَفَرَّقُوا. فعل ذَلِك وفعلوه غير مرّة. فَقَالَ: يَا بني المتكاء، إِذا أخذت فِي مَزَامِير الشَّيْطَان اجْتَمَعْتُمْ، وَإِذا أخذت فِي كتاب الله تفرقتم! وَقيل لَهُ فِي مَرضه: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: أجدني أذوب وَلَا اثوب، أجدني نجوي أَكثر من رزئي. وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة: إِنَّه لَيْسَ أَخُو الْحَرْب من يضع خور الحشايا عَن يَمِينه وشماله، ويعاظم الأكلاء اللقم، وَلكنه من حسر عَن ذِرَاعَيْهِ، وشمر عَن سَاقيه، وَأعد للأمور آلاتها، وللفرسان أقرانها. وَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: قُم فاعذرني عِنْد النَّاس فقد كثر طعنهم عَليّ، فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا أكْرمه الله بِهِ، ثمَّ قَالَ: إِنِّي قد صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيته، وَقد سبق مِنْكُم من سبق فَرَأى مَا لم أر، فَرَأَيْت السعَة تكون فيعمها النَّاس دون نَفسه، وَتَكون الْخَصَاصَة فيخصها نَفسه وَأهل بَيته دون النَّاس. ثمَّ ولى النَّاس أَبُو بكر، فسلك سَبيله، حَتَّى خرج من الدُّنْيَا فِي ثوب لَيْسَ لَهُ رِدَاء. ثمَّ وَليهَا ابْن حنتمة فانبعجت لَهُ الدُّنْيَا فقمص مِنْهَا قمصا، ومصها مصا، وجانب غمرتها، وَمَشى فِي ضحضاحها حَتَّى خرج مشمراً، مَا ابتلت عقبه. أكذاك أَيهَا النَّاس؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. ثمَّ ولى عُثْمَان فقلتم تلومونه، وَقَالَ يعْذر نَفسه، فعلى رسلكُمْ، فَرب أَمر تَأْخِيره خير من تَعْجِيله، وَإِن الحسير يبلغ، والهزيل يبْقى ثمَّ جلس، فَقَالَ عُثْمَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute