ثمَّ أَنْتُم فِي كل يَوْم تشيعون غادياً ورائحاً إِلَى الله، قد قضى نحبه، وَبلغ أَجله، ثمَّ تغيبونه فِي صدع من الأَرْض، ثمَّ تَدعُونَهُ غير موسد وَلَا ممهد، قد خلع الْأَسْبَاب، وَفَارق الأحباب، وَوجه إِلَى الْحساب، غَنِيا عَمَّا ترك، وَفَقِيرًا إِلَى مَا قدم. وأيم الله إِنِّي لأقول لكم هَذِه الْمقَالة وَمَا أعلم عِنْد أحد مِنْكُم من الذُّنُوب أَكثر مِمَّا عِنْدِي. وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم، وَمَا بلغت حَاجَة يَتَّسِع لَهَا مَا عندنَا إِلَّا سددناها، وَلَا أحد مِنْكُم إِلَّا وددت أَن يَده معي وَمَعَ لحمتي الَّذين يلونني، حَتَّى يَسْتَوِي عيشنا وعيشكم. وَايْم الله لَو أردْت غير هَذَا من عَيْش لَكَانَ اللِّسَان مني ناطقاً ذلولاً عَالما بأسبابه، وَلكنه مضى من الله كتاب نَاطِق وَسنة عادلة، دلّ فِيهَا على طَاعَته وَنهى فِيهَا عَن مَعْصِيَته. وَسَأَلَهُ رجل عَن الْجمل وصفين، فَقَالَ عمر: تِلْكَ دِمَاء كف الله يَدي عَنْهَا، فَأَنا أحب أَلا أغمس لساني فِيهَا. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك رضوانك، وَإِلَّا أكن لَهُ أَهلا فعفوك. وَقَالَ لأَصْحَابه: إِذا كتبتم إليّ فَلَا تكْتبُوا الْأَمِير، فَلَيْسَتْ الْإِمَارَة أفضل من أبي. كتب إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة يَسْتَأْذِنهُ فِي عَذَاب الْعمَّال، فَكتب إِلَيْهِ عمر: الْعجب لَك يَا ابْن أم عدي، حِين تستأذنني فِي عَذَاب الْعمَّال كَأَنِّي لَك جنَّة، وَكَأن رضاي ينجيك من سخط الله. من قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَأقر بِمَا لم يكن مضطهداً فِيهِ فَخذه، فَإِن كَانَ يقدر على أَدَائِهِ فاستأده، وَإِن أَبى فاحبسه، وَإِن لم يقدر على شَيْء فَخَل سَبيله بعد أَن تخلفه على أَنه لَا يقدر على شَيْء، فَلِأَن يلْقوا الله بخياناتهم أحب إليّ من أَن أَلْقَاهُ بدمائهم. وَقَالَ: من أحب الْأُمُور إِلَى الله عز وَجل الاقتصاد فِي الْجدّة، وَالْعَفو فِي الْقُدْرَة، والرفق فِي الْولَايَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute