للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين، وَأما مَا ذكرت من إفقاري إيَّاهُم من هَذَا المَال فوَاللَّه مَا ظلمتهم حَقًا هُوَ لَهُم، وَمَا كنت لأعطيهم حق غَيرهم. وَمَا ولد عمر إِلَّا أحد رجلَيْنِ: رجل اتَّقى الله فسيرزقه، وَرجل غدر أَو فجر، فَلَنْ يكون عمر أول من قواه بِالْمَالِ على الْمعْصِيَة. ثمَّ قَالَ: عليّ بهم. فأدخلوا عَلَيْهِ وهم يَوْمئِذٍ اثْنَا عشر، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم اغرورقت عَيناهُ بالدموع وَقَالَ: بنفسي فتية تَركتهم، وَلَا أحد لَهُم. بلَى يَا بني، إِنِّي قد تركتكم بِخَير من الله، لَا تمرون بِمُسلم وَلَا معاهد إِلَّا وَلكم عَلَيْهِ حق. يَا بني، إِنِّي ميلت بَين رأيين: بَين أَن تفتقروا، أَو يدْخل أبوكم النَّار، فَرَأَيْت أَن تفتقروا إِلَى آخر يَوْم من الْأَبَد أحب إِلَى أبيكم من أَن يدْخل النَّار. وَكتب إِلَى الْجراح بن عبد الله الْحكمِي، وَهُوَ على خُرَاسَان: أما بعد؛ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تدع مِمَّا أحل الله لَك مَا يكون حاجزاً بَيْنك وَبَين مَا حرم الله فافعل؛ فَإِن من استوعب الْحَلَال كُله تاقت نَفسه إِلَى الْحَرَام. وَكتب إِلَى ابْن حزم: أما بعد؛ فَإِن الطالبين الَّذين نجحوا، والتجار الَّذين ربحوا، الَّذين اشْتَروا الْبَاقِي الَّذِي يَدُوم بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعهم، وحمدوا عَاقِبَة أَمرهم، فَالله الله، وبدنك صَحِيح، وَأَنت مريح، قبل أَن تَنْقَضِي أيامك، وَينزل بك حمامك، فَإِن الْيَسِير الَّذِي أَنْت فِيهِ يقلص ظله، ويفارقه أَهله، فالسعيد الْمُوفق من أكل فِي عاجلته قصدا، وَقدم ليَوْم فقره غَدا، وَخرج مَحْمُودًا من الدُّنْيَا قد انْقَطع عَنهُ علاج أمورها، وَصَارَ إِلَى نعيم الْجنَّة. وَكتب إِلَى بعض عماله: أما بعد؛ فلتخفّ يدك عَن دِمَاء الْمُسلمين، وبطنك عَن أَمْوَالهم، وَلِسَانك عَن أعراضهم، فَإِذا فعلت ذَلِك فَلَا سَبِيل عَلَيْك " إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم ". وَكَانَ من دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي من الدُّنْيَا مَا تكفني بِهِ عَن شهواتها، وتعصمني بِهِ من فتنتها، وتغنيني بِهِ عَن جَمِيع أَهلهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>