للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعضهم: إِذا تقدّمت الدعْوَة من اللَّيْل انْتَعش الْإِنْسَان فِي فرَاشه. جَاءَ طفيلي إِلَى بَاب دَار فِيهَا عرس، فَمنع من الدُّخُول فَمضى، ثمَّ عَاد وَقد حمل إِحْدَى نَعْلَيْه فِي كمه، وعلق الْأُخْرَى بِيَدِهِ، وَأخذ خلالاً يَتَخَلَّل بِهِ، وَجَاء فدق الْبَاب، فَقَالَ لَهُ البواب: مَا لَك؟ قَالَ: السَّاعَة خرجت ونسيت نَعْلي هُنَاكَ. قَالَ: فَادْخُلْ. فَدخل وَأكل مَعَ الْقَوْم ثمَّ خرج. دخل طفيلي على قوم، وَجلسَ يَأْكُل مَعَ الأضياف، فاستحيا صَاحب الْمنزل من الْقَوْم، وَكره أَن يتوهموا أَنه قد دَعَاهُ، وعاشرهم بِمثلِهِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي لمن أشكر؟ لكم إِذْ أجبتم دَعْوَتِي، أم لهَذَا الَّذِي جَاءَ من غير أَن أَدْعُوهُ؟ فَعلم الْقَوْم أَن الرجل طفيليّ. قَالُوا: الطفيلي مَنْسُوب إِلَى رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ يُسمى طفيلاً، كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى، فَقيل لَهُ: طفيل العرائس، وَقيل: إِنَّه مَأْخُوذ من الطِّفْل وَهُوَ الظلمَة؛ لِأَن الْفَقِير من الْعَرَب كَانَ يحضر الطَّعَام الَّذِي لم يدع إِلَيْهِ مستتراً بالظلمة لِئَلَّا يعرف. وَقيل: سمي بذلك لإظلام أمره على النَّاس لَا يَدْرُونَ من دَعَاهُ. وَقيل: بل هُوَ من الطِّفْل لهجومه على الناي كهجوم اللَّيْل على النَّهَار، وَلذَلِك قيل: أطفل من ليل على نَهَار. دخل طفيلي على رجل قد دَعَا قوما، فَقَالَ لَهُ صَاحب الْمنزل: يَا هَذَا مَتى قلت لَك تجئ؟ قَالَ: وَمَتى قلت لي: لَا تجئ؟ . كَانَ بِالْبَصْرَةِ طفيلي يُقَال لَهُ: أَبُو سَلمَة، وَكَانَ إِذا سمع بِذكر وَلِيمَة بَادر إِلَيْهَا، يقدمهُ ابْنَانِ لَهُ فِي زِيّ الْعُدُول، وَبَين أَيْديهم غُلَام، فَإِذا أَتَوا الْبَاب تقدم العَبْد فَقَالَ: افْتَحْ هَذَا أَبُو سَلمَة قد جَاءَ، ثمَّ يتلوه أحد ابنيه فَيَقُول: افْتَحْ وَيلك هَذَا أَبُو سَلمَة، ويتلوه الآخر وَيَقُول: مَاذَا تنْتَظر؟ ثكلتك أمك! قد جَاءَ أَبُو سَلمَة، ثمَّ يَأْتِي أَبُو سَلمَة فَيَقُول: افْتَحْ يَا بني، فَإِن كَانَ جَاهِلا بِهِ فتح، وَإِن كَانَ قد عرف أمره وحذر مِنْهُ قَالَ: يَا أَبَا سَلمَة أَنا مَأْمُور، فيجلس وينتظر أَن يجِئ بعض من دعِي، فَإِذا فتح لَهُ شقّ الْبَاب تقدم ابناه وَالْعَبْد، وَفِي كم كل

<<  <  ج: ص:  >  >>