للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُم من أقعده عَن طلب المَال ضئولة نَفسه، وَانْقِطَاع سَببه، فقصر بِهِ الْحَال على حَال، فتحلَّى باسم القناعة، وتزيَّن باسم الزهاد، وَلَيْسَ من ذَلِك فِي مراح وَلَا مفدى. وَبَقِي رجال غض أَبْصَارهم ذكر الْمرجع، وأراق دموعهم خوف الْمَحْشَر، فهم بَين شريد نادِّ، وخائف منقمع، وَسَاكِت مكعوم، وداعٍ مخلص، وموجَع ثكلانَ، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم فِي بحرٍ أجاج أَفْوَاههم ضامرة، وَقُلُوبهمْ قرحَة، وعظوا حَتَّى ملُّوا، وقُهِروا حَتَّى ذلُّوا، وقُتِلوا حَتَّى قلُّوا، فلتكن الدُّنْيَا أقل فِي أعينكُم من حثالة الْقَرَّاظ وقراضة الجلم، واتعظوا بِمن كَانَ قبلكُمْ، قبل أَن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فَإِنَّهَا قد رفضت من كَانَ أشفف بهَا مِنْكُم. وَقَالَ يُونُس بن سعيد الثَّقفي: اتَّق الله لَا أطير بك طيرةً بطيئاً وُقُوعهَا. قَالَ: أَلَيْسَ بِي وَبِك المرجِعُ بعدُ إِلَى الله؟ قَالَ: بلَى، فأستغفر الله. طلب زِيَاد رجلا كَانَ فِي الْأمان الَّذِي أَخذه الْحسن لأَصْحَابه، فَكتب الْحسن فِيهِ إِلَى زِيَاد: أما بعد، فقد علمت مَا كُنَّا أَخذنَا لاصحابنا، وَقد ذكر فلانٌ أَنَّك قد عرضتَ لَهُ، فأحِبُّ أَلا تعرضَ لَهُ بِخَير، فَلَمَّا أَتَى زياداً الْكتاب، وَلم ينسِبه فِيهِ إِلَى أبي سُفْيَان غضب وَكتب: من زِيَاد بن أبي سُفْيَان إِلَى الْحسن أما بعد فَإِنَّهُ قد أَتَانِي كتابُك فِي فاسقٍ يؤويه الْفُسَّاق من شيعةِ أَبِيك وشيعتك. وأيم الله لأطلبنهم وَلَو بَين جِلْدك ولحمك، وَإِن أحب النَّاس إليَّ لَحْمًا أَن آكله لحمٌ أَنْت مِنْهُ. فَلَمَّا قَرَأَهُ الْحسن بعث بِهِ إِلَى مُعَاوِيَة، فَلَمَّا قَرَأَهُ غضب وَكتب: من مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد. أما بعد، فَإِن لَك رأيين: رَأيا من أبي سفبان ورأياً من سميَّة. فَأَما رأيُك من أبي سُفْيَان فحلمٌ وحزم، وَأما رَأْيك من سميَّة فَمَا يكون من رَأْي مثلهَا، وَقد كتب إليَّ الْحسن بن عَليّ أَنَّك عرضت لصَاحبه، فَلَا تعرض لَهُ، فَإِنِّي لم أجعَل لَك عَلَيْهِ سَبِيلا. وَإِن الْحسن بن عَليّ لَا يُرمى بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>