للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضحك -: أما وَالله إِنَّهَا سنة كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَمَا تركته رَغْبَة عَن جماله ... وَلكنهَا كَانَت لآخر تُخْطَبُ وَمن كَلَام مُعَاوِيَة: ثلاثٌ من السؤدد: الصلع، واندِحاء الْبَطن، وَترك الإفراط فِي الْغيرَة. وَقد عيبَ بِهَذَا الْكَلَام، ورُمِيَ بقلَّة الْغيرَة، وَكَذَلِكَ عابوا قيس بن زُهَيْر حِين نزل بِبَعْض الْقَبَائِل، فَقَالَ: أَنا غيور فخور أنِف، وَلَكِنِّي لَا آنف حَتَّى أُضام، وَلَا أفخَرُ حَتَّى أفعل، وَلَا أغار حَتَّى أرى. قَالَ أَبُو عُثْمَان: أَظن أَنه إِنَّمَا عني بِهِ رُؤْيَة السَّبب لَا رُؤْيَة المواقعة. وَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ: يَا عَمْرو، إِن أهل الْعرَاق قد أكْرهُوا علياَّ على أبي مُوسَى، وَأَنا - وَالله - وَأهل الشَّام راضون بك، وَقد ضم إِلَيْك رجل طَوِيل اللِّسَان، قصير الرَّأْي، فأجد الحزَّ وطبق الْمفصل، وَلَا تلقَهُ برأيكَ كُله. وخطب مرّة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّا قد أَصْبَحْنَا فِي دهرٍ عنود، وزمنٍ شَدِيد، يُصبِحُ فِيهِ المحسِن مسيئاً، ويزداد الظَّالِم عتواً، لَا ننتفع بِمَا علمنَا، ولانسأل عَمَّا جهلنا، وَلَا نتخوف قَارِعَة حَتَّى تحُلَّ بِنَا، فَالنَّاس على أَرْبَعَة أَصْنَاف: مِنْهُم من لَا يمنعهُ من الْفساد إِلَّا مهانة نَفسه، وكلال حدِّه، ونضيض وقْرِه. وَمِنْهُم المصلِتُ لسيفه، المجلِبُ بِرجلِهِ، الْمُعْلن بشرِّه، قد أشرط نَفسه، وأوبق دينه لحطام ينتهزه، ومقنبٍ يَقُودهُ أَو منبرٍ يفرعُه، ولبئس المتجر أَن تراهما لنَفسك ثمنا، وممَّالك عِنْد الله عوضا. وَمِنْهُم من يطلبُ الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة، وَلَا يطْلب الْآخِرَة بِعَمَل الدُّنْيَا، قد طامن من شخصه، وقارب من خطوهِ، وشمر من ثَوْبه، وزخرف نَفسه للأمانة، وَاتخذ ستر الله ذَرِيعَة إِلَى الْمعْصِيَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>