للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: إنْ كنْتَ بعدِي - وكنْهُ. فابدأ بِالْخَيرِ، فَإِنَّهُ يُعَفِّى، على الشَّرّ، وَمَا صنعتَ من شيءٍ فَاجْعَلْ بينكَ وَبَين الله سترا ترجوه لَهُ، وتأْملُهُ بِهِ. وإيَّاك وَالْقَتْل فَإِن الله قَاتل القاتلين. وصف مُعَاوِيَة الْوَلِيد بن عتبَة فَقَالَ: إِنَّه لبعيد الْغَوْر، سكان الْفَوْر، نبتةُ أصلٍ لَا يخلف، وسليل فحلٍ لَا يقرِف. وَدخل خَالِد بن يزِيد دَار عبد الْملك، وَكَانَ يسحبُ ثِيَابه، فَقَامَ إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك، يتلقاه معظِّماَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: بِأبي أَنْت وَأمي، لم تطعم الأَرْض فَضولَ ثيابكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أكونَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الآجل. ثمَّ قَالَ الْحجَّاج: وَالله لأتزوَّجنَّ من هُوَ أمسُّ بهِ رحما، ثمَّ لَا يُمكنهُ فِيهِ شَيْء، فَتزَوج أم الْجلاس بنت عبد الله بن خَالِد بن أسيد. تهدد عبد الْملك خَالِدا بالحرمان، فَقَالَ خَالِد: أتُهدِّدني، ويَدُ الله فَوْقك مانعةٌ، وعطاءُ الله دونكَ مبذولٌ؟ قَالَ رجل لخَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة: مَا أقربُ شيءٍ؟ قَالَ: الْأَجَل. قيل: فَمَا أبعدُ شيءٍ؟ قَالَ: الأمل. قيل: فَمَا آنس شيءٍ؟ قَالَ: الصاحبُ المُواتي. قيل: فَمَا أوحشُ شيءٍ؟ قَالَ: الميِّت. دخل عبد الْملك بن مَرْوَان على يزِيد بن مُعَاوِيَة. فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إِن لَك أَرضًا بوادي القُرى لَيست لَهَا غلَّة، فَإِن رأيتَ أَن تأْمرَ لي بهَا. فَقَالَ لَهُ يزِيد: إِنَّا لَا نُخدع عَن الصَّغِير، وَلَا نبخَلُ بالكبير، وَهِي لَك. فلمَّا ولىَّ قَالَ يزِيد: إِن أهل الْكتب يدَّعون أَن هَذَا يَرث مَا نَحن فِيهِ، فَإِن كَانَ كَمَا قَالُوا فقد صانعناه، وَإِن لم يكن فقد وصلْناه. وَلما ولىَّ يزِيد مسلمَ بنَ زِيَاد خُرَاسَان قَالَ لَهُ: إِن أَبَاك كفى أَخَاك عَظِيما، وَقد استكفيتُك صَغِيرا، فَلَا تتَّكِلنَّ على عذرٍ مني، فَإِنِّي قد اتكلتُ على كِفَايَة مِنْك، وَإِيَّاك مني قبل أَن أَقُول: إيَّاي مِنْك، فإنَّ الظنَّ إِذا أُخلِفَ فِيك أخلف مِنْك. وَأَنت فِي أدنى حظِّك فاطلُب أقصاه. وَقد أتعبك أَبوك، فَلَا تُريحَنَّ نَفسك، وَكن لنفسِكَ تكُنْ لَك، وَاذْكُر فِي يومكَ أحاديثَ غدِكْ. وَقَالَ معاويةُ لعَمْرو بن الْعَاصِ: إِنِّي لأُحِبُّ أنْ تكون فِي خمسِ خصالٍ. قَالَ: وَمَا هن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أحب أَن يكون جهلٌ أعظم من حلمي، وَلَا ذنبٌ أكبر من عفوي، وَلَا عورةٌ إِلَّا وَأَنا أسعها بستري، وَلَا فاقةٌ إِلَّا سددتها بجودي، وَلَا زمانٌ أطول من أناتي، فَتَبَسَّمَ عَمْرو. فَقَالَ مُعَاوِيَة: مِمَّن تبسَّمت؟ فَإِنِّي أعلمُ أَنَّك إِن قُلتَ خيرا أضمرتَ شرا. قَالَ: نعم، تمنَّيتُ ضفةً لَا تكون إِلَّا لله. قَالَ مُعَاوِيَة: فاستُرها عليَّ. كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم: وَالله لفلانٌ أهْوَنُ عليَّ من ذرَّة أَو كلبٍ من كلابِ الحرَّة، ثمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ: امحِ الحرَّة، فَإِنَّهُ سجعٌ، واكتب من الْكلاب. قيل لخَالِد بن يزِيد: أَنِّي أصبتُ هَذَا الْعلم؟ قَالَ: وافقْتُ الرِّجَال على أهوائهم، ودخلتُ مَعَهم فِي رَأْيهمْ، حَتَّى بذلوا لي مَا عِنْدهم، وأفضوا إليَّ بِذَات أنفسهم. بعث زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة بِهَدَايَا مَعَ عبيد الله أخي الأشترِ النَّخعِيّ، وَفِي الْهَدَايَا سفطٌ فِيهِ جوهرٌ لم ير مثله، فقدِمَ عبد الله بالهدايا، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن زياداً بعثَ معي بسفطٍ مَا أَدْرِي مَا فِيهِ، وَأَمرَنِي أَن أدفعهُ فِي خلاءٍ. فَقَالَ: أحضرهُ، فلمَّا فتحهُ قَالَ: مَا أظُّن رجلا آثر بِهَذَا على نَفسه إِلَّا سيؤْثِرُهُ الله بالجنَّة، ارْجع بِهِ إِلَيْهِ، فَإِن من قبله من الْمُسلمين أَحَق بِهَذَا من مُعَاوِيَة. ثمَّ كتب إِلَى زِيَاد: إِنَّك رفعتَ إليَّ رايةَ الأشترِ حينَ وَضعهَا الله. بعثتَ مَعَ أَخِيه بسفطٍ يشْهد بِهِ عَليّ عِنْد أهل الْعرَاق، فاردده عليَّ مَعَ رجلٍ لَا يفقهُ عنيِّ، وَلَا أفقهُ عَنهُ، فردَّهُ إِلَيْهِ زِيَاد مَعَ غُلَام من غلمانه. قَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: إنْ كنْتَ بعدِي - وكنْهُ. فابدأ بِالْخَيرِ، فَإِنَّهُ يُعَفِّى، على الشَّرّ، وَمَا صنعتَ من شيءٍ فَاجْعَلْ بينكَ وَبَين الله سترا ترجوه لَهُ، وتأْملُهُ بِهِ. وإيَّاك وَالْقَتْل فَإِن الله قَاتل القاتلين. وصف مُعَاوِيَة الْوَلِيد بن عتبَة فَقَالَ: إِنَّه لبعيد الْغَوْر، سكان الْفَوْر، نبتةُ أصلٍ لَا يخلف، وسليل فحلٍ لَا يقرِف. وَدخل خَالِد بن يزِيد دَار عبد الْملك، وَكَانَ يسحبُ ثِيَابه، فَقَامَ إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك، يتلقاه معظِّماَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: بِأبي أَنْت وَأمي، لم تطعم الأَرْض فَضولَ ثيابكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أكونَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: قصيرُ الثِّيَاب فاحشٌ عِنْد بيتهِ ... وشرُ قريشٍ فِي قريشٍ مُرَكَّبا وَهَذَا البيتُ هُجِيَ بِهِ الضَّحَّاك. قَالَ الجاحظ: لَو لم يتكلفْ مَا لايعنيه لم يسمع هَذَا الْجَواب. قَالَ بَعضهم كنتُ عندَ معاويةَ إِذْ دخل عبدُ الْملك، فتحدَّث ونهض، فَقَالَ معاويةك إنَّ لهَذَا الْغُلَام همةً، وخليقٌ أَن تبلغَ بِهِ همتهُ، وَإنَّهُ مَعَ مَا ذكرت تاركٌ لثلاثٍ أخِذٌ بِثَلَاث، تارِكٌ مساءة الجليس جداًّ وهزلاً، تاركٌ لما يعتذرُ مِنْهُ، تَارِك لما لَا يعنيه، آخِذٌ بأحسنِ الحَدِيث إِذا حدَّثَ، وبأحسنِ الِاسْتِمَاع إِذا حُدِّث، وبأهونِ الْأَمريْنِ عَلَيْهِ إِذا خُولِفَ. وَقَالَ مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد: إِذا وليتَ فابسط الخيرَ، فَإِنَّهُ يُعَفِّي على الْعَيْب، وَاتَّقِ الله يقِكَ، وإياكَ والقتلَ، فإنَّ الله قتَّل للقاتلين. وَقَالَ لِعبيد الله بن زِيَاد: يَابْنَ أخي، إحفظ عني، لَا يكونَنَّ فِي عسكرِكَ أميرٌ غيركَ، ولاتقولَنَّ على منبَرٍ قولا يُخالِفُهُ فِعْلُك، وَمهما غلبت فَلَا تُغْلَبَنَّ على ميتةٍ كريمةٍ. وَقَالَ مُعَاوِيَة: آفةُ الْمُرُوءَة الْكبر وإخوانُ السوء، وآفةُ الْعلم النسْيَان، وآفةُ الحلمِ الذُّل، وآفةُ الجودِ السَّرف، وآفةُ الْقَصْد البُخْلِ، وآفةُ الْمنطق الفُحشِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>