للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما وَالله لقد عجزوا عَمَّا قمنا بِهِ، فَمَا عضوا المكافي، وَلَا شكروا الْمُنعم. فَمَاذَا حاولوا؟ أأشرب رنقاً على غصص، وأبيت مِنْهُم على مضض؟ كلا وَالله أصل ذَا رحم حاول قطيعتها، وَلَئِن لم يرض بِالْعَفو ليطلبن مَالا يُوجد عِنْدِي، فليق ذُو نفسٍ على نَفسه، قبل أَن تمْضِي عَنهُ، ثمَّ لَا يبكى عَلَيْهِ، وَلَا تذْهب وَلَا تذْهب نفسٌ مَسَرَّة لما أَتَاهُ. وخطب بعد قَتله أَبَا مُسلم، فَحَمدَ الله، ثمَّ أثنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، أَيهَا النَّاس، فَإِنَّهُ من نازعنا عُرْوَة هَذَا الْقَمِيص أوطأناه خبئ هَذَا الغمد - وَأَوْمَأَ إِلَى سَيْفه - وَإِن عبد الرَّحْمَن بَايعنَا، وَبَايع لنا على أَنه من نكث بِنَا فقد حل دَمه، ثمَّ نكث بِنَا، فحكمنا فِيهِ لأنفسنا حكمه على غَيره لنا، وَلم تَمْنَعنَا رِعَايَة الْحق لَهُ من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس، لَا تنفرُوا أَطْرَاف النِّعْمَة بقلة الشُّكْر، فَتحل بكم النقمَة، وَلَا تسروا غش الْأَئِمَّة، فَإِن أحدا لايسر مِنْكُم إلاظهر فِي فلتات لِسَانه، وصفحات وَجهه، وطوالع نظره، وَإِنَّا لَا نجهل حقوقكم مَا عَرَفْتُمْ حَقنا، وَلَا ننسى الْإِحْسَان إِلَيْكُم مَا ذكرْتُمْ فضلنَا، وَمن نازعنا هَذَا الْقَمِيص أوطأنا أم رَأسه خبئ هَذَا الغمد. أَهْوى هِشَام بن عُرْوَة إِلَى يَده ليقبلها، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذر، إِنَّا نكرمك عَنْهَا، ونكرمها عَن غَيْرك. قيل: خلا الْمَنْصُور مَعَ يزِيد بن أسيد، فَقَالَ: يَا يزِيد مَا ترى فِي قتل أبي مُسلم؟ قَالَ: أرى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تقتله، وتتقرب إِلَى الله بدمه، فوَاللَّه لَا يصفو ملكك، وَلَا تهنأ بعيشٍ مَا بَقِي بك عَدوك. قَالَ يزِيد: فنفر مني نفرة ظَنَنْت أَنه سَيَأْتِي عَليّ، ثمَّ قَالَ: قطع الله لسَانك وأشمت بك عَدوك، أتشير عَليّ بقتل أنصح النَّاس لنا، وأثقلهم على عدونا؟ أما وَالله لَوْلَا حفظي مَا سلف مِنْك، وَأَنِّي أعدهَا هفوة من رَأْيك لضَرَبْت عُنُقك، قُم لَا أَقَامَ الله رجليك قَالَ يزِيد: فَقُمْت وَقد أظلم بَصرِي، وتمنيت أَن تسيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>