للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اسْتقْبل الطالبيون الْمَأْمُون فِي مُنْصَرفه من خُرَاسَان إِلَى الْعرَاق فِي بعض الطَّرِيق، يَعْتَذِرُونَ مِمَّا كَانَ من خُرُوجهمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمَأْمُون: أولنا وأولكم مَا تعلمُونَ، وآخرنا وآخركم مَا تُرِيدُونَ، وتناسوا مَا بَين هذَيْن. وَركب يَوْمًا فصاح إِلَيْهِ الْأَنْصَار، فَقَالَ: أَيْن كُنْتُم يَوْم سَقِيفَة بني سَاعِدَة، وَالْعَبَّاس وَعلي يُريدَان نصرتكم؟ فَلَا تريدوا مني ثَوابًا. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: لما أَرَادَ الْمَأْمُون أَن يُزَوّج عَليّ بن مُوسَى، قَالَ لي: يَا يحيى تكلم، فَهبت أَن أَقُول أنكحت، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَنْت الْحَاكِم الْأَكْبَر وَأَنت أولى بالْكلَام، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي تصاغرت الْأُمُور لمشيئته، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، إِقْرَارا بربوبيته، صلى الله على مُحَمَّد عِنْد ذكره. وَأم بعد، فَإِن الله تَعَالَى جعل النِّكَاح سنة للأنام، وفصلاً بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَإِنِّي قد زوجت ابْنَتي أم الْفضل من عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا، وَقد مهرتها عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَقَالَ الْمَأْمُون: تَمام النِّعْمَة أَن تستتم بِلُزُوم شكرها، واول منَازِل الشُّكْر أَلا يتَوَصَّل إِلَى مَعْصِيّة منعم بِفضل نعْمَته. قَالَ أَحْمد بن أبي دواد: قَالَ لي الْمَأْمُون: لَا يتسطيع النَّاس أَن ينصفوا الْمُلُوك من وزرائهم، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن ينْظرُوا بِالْعَدْلِ بَين مُلُوكهمْ وحماتهم وكفاتهم، وَبَين صنائعهم وبطانتهم، وَذَلِكَ أَنهم يرَوْنَ ظَاهر حُرْمَة وخدمة، واجتهاد ونصيحة، ويرون إِيقَاع الْمُلُوك بهم ظَاهرا، حَتَّى لَا يزَال الرجل قَول: مَا أوقع بِهِ إِلَّا رَغْبَة فِي مَاله، وَإِلَّا رَغْبَة فِيمَا لَا تجود النُّفُوس بِهِ، أَو لَعَلَّ الْحَسَد والملالة، وشهوة الِاسْتِبْدَال اشتركت فِي ذَلِك. وَهُنَاكَ جنايات فِي صلب الْملك، أوفى بعض الْحرم لَا يَسْتَطِيع الْملك أَن يكْشف للعامة مَوضِع الْعَوْرَة

<<  <  ج: ص:  >  >>