للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَليّ، وادخار الشُّكْر لدي، ومتقرباً بِهِ إِلَى سَيِّدي أَمِير الْمُؤمنِينَ، فرأيك فِي الامتنان عَليّ بقبولها موفقاً إِن شَاءَ الله. فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب أنفذه إِلَى المعتصم، فَوَقع فِيهِ: ضيم فَصَبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان على عذره. وَترد عَلَيْهِ ضيَاعه، وَيرْفَع عَنهُ خراجه. وَلَا أؤامر فِيهِ إِن شَاءَ الله. قَالَ كَاتب الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون: لما تقلد المعتصم الْخلَافَة عرضت لَهُ، فترجلت، فَلَمَّا بصر بِي، قَالَ: هَذَا الْمجْلس الَّذِي لم تزل أكره النَّاس بحلولي بِهِ. قَالَ: فتحيرت، وَلم أدر مَا أَقُول، ثمَّ عَن لي أَن قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، انت تَعْفُو عَمَّا تتيقنه، فَكيف تعاقب عَمَّا تتوهمه؟ قَالَ: فَقَالَ: لَو أردْت عقابك لتركت عتابك. وَكَانَ سَبَب خُرُوجه إِلَى " سر من رأى " أَن غلْمَان الأتراك كَثُرُوا بِبَغْدَاد فتولعوا بحرم النَّاس وَأَوْلَادهمْ، فَاجْتمع إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم، فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أحد أحب إِلَيْنَا مجاورة مِنْك، لِأَنَّك الإِمَام والمحامي عَن الدّين، وَقد أفرط غلمانك، فإمَّا منعتهم منا، وَإِمَّا نقلتهم عَنَّا. فَقَالَ: نقلهم لَا يكون إِلَّا بنقلي، وَلَكِنِّي أفتقدهم، وأزيل مَا شكوتهم. فَنظر فَإِذا الْأَمر قد زَاد وَعظم، وَخَافَ أَن يَقع بَينهم حَرْب، وعاودوه بالشكوى، وَقَالُوا: إِن قدرت على نصفتنا، وَإِلَّا فتحول عَنَّا. فَقَالَ: أتحول وكرامة فَرَحل إِلَى سر من رأى، واتخذها دَارا. وَكَانَ يَقُول: الْفضل بن مَرْوَان عصى الله - عز وَجل - وأطاعني، فسلطني الله عَلَيْهِ. وَذكر أَنه كَانَ مَعَه غُلَام فِي الْكتاب يتَعَلَّم مَعَه، فَمَاتَ الْغُلَام، فَقَالَ لَهُ الرشيد: يَا مُحَمَّد، مَاتَ غلامك. قَالَ: نعم يَا سَيِّدي، واستراح من الْكتاب فَقَالَ الرشيد: وَإِن الْكتاب ليبلغ مِنْك هَذَا الْمبلغ، دَعوه إِلَى حَيْثُ انْتهى، وَلَا تعلموه شَيْئا، فَكَانَ يكْتب كتابا ضَعِيفا، وَيقْرَأ قِرَاءَة ضَعِيفَة. حُكيَ عَن الْفضل بن مَرْوَان أَنه قَالَ: وَالله لقد كَانَ المعتصم مؤيداً من عِنْد الله فِي أُمُوره كلهَا، لقد رَجَعَ يَوْمًا من محاربة الرّوم، وَقد سهر ليلته وَبَقِي

<<  <  ج: ص:  >  >>