إِلَى الْعشَاء، وَلم يطعم وَلم يشرب، فَدخل إِلَى الْمَأْمُون فَعرفهُ خَبره، فَبَيْنَمَا هُوَ يخاطبه إِذْ صِيحَ: السِّلَاح السِّلَاح، واستفحل أَمر الرّوم، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: ارْجع يَا أَبَا إِسْحَاق إِلَى موضعك. فَقَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. أمضي إِلَى مضربي وأركب من ثمَّ، فَكَانَ الْمَأْمُون كره هَذَا مِنْهُ، ونكس رَأسه، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ تَأْخِيره لأَمره، فَفطن المعتصم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الله عز وَجل يَقُول: " كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى، أَن رَآهُ اسْتغنى " وَالله لقد رَأَيْتنِي وَمَالِي من الدَّوَابّ إِلَّا أَربع، وَمن الغلمان إِلَّا أَرْبَعَة، وَإِنِّي لأقف على بَاب الْحسن بن سهل سَائِر يومي، وأتمنى أَن يَأْمُرنِي بِأَمْر أنفذ فِيهِ، ولي من كل هَذَا الْيَوْم أُلُوف بتفضل أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهُوَ يَأْمُرنِي بِأَمْر فِيهِ شرفي فأشترط عَلَيْهِ. أَنا أمضي من وَجْهي هَذَا على هيئتي هَذِه. فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ: أدن إِلَيّ، فَدَنَا فَقبل بَين عَيْنَيْهِ، ودعا لَهُ بالظفر، وَخرج. قَالَ بَعضهم: سَمِعت المعتصم يَقُول: إِذا نصر الْهوى بَطل الرَّأْي. وَقَالَ لِأَحْمَد بن أبي دواد لما كَانَ من لتياث الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون مَا كَانَ: يَا أَبَا عبد الله، أكره أَن أحبسه فأهتكه، واكره أَن أَدَعهُ فَأَهْمَلَهُ. فَقَالَ: الْحَبْس أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِن الِاعْتِذَار خير من الاغترار. وَقيل مَا رئي أَشد تيقظاً فِي حَرْب من المعتصم، كَانَت الْأَخْبَار ترد عَلَيْهِ من أَرض بابل إِلَى " سر من رأى " فِي ثَلَاثَة أَيَّام على عتاق مضمرة، قد أَقَامَ على كل فَرسَخ فرسخين. وَاحْتَاجَ النَّاس فِي حِصَار عمورية إِلَى مَاء فَمد لَهُم حياضاً من أَدَم عشرَة أَمْيَال وَغير ذَلِك، مِمَّا سنذكر ذَلِك بعون الله. وَقَالَ الْفضل بن مَرْوَان: كَانَ المعتصم يخْتَلف إِلَى عَليّ بن عَاصِم الْمُحدث، وَكنت أمضي مَعَه إِلَيْهِ، فَقَالَ يَوْمًا: حَدثنَا عَمْرو بن عبيد وَكَانَ قدرياً فَقَالَ لَهُ المعتصم: يَا أَبَا الْحسن، أما تروي: " أَن الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute