للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تكَاد تصح لكذابٍ رُؤْيا؛ لِأَنَّهُ يخبر عَن نَفسه فِي الْيَقَظَة بِمَا لم ير فتريه فِي النّوم مَا لَا يكون. لَا يفسدك الظَّن على صديق قد أصلحك الْيَقِين لَهُ. من الْمُحدثين من يحسن أَن يسمع ويستمع، وينفي الإملال بِبَعْض الإقلال، وَيزِيد إِذا استملى من الْعُيُون الاستزادة، وَيعرف كَيفَ يفصل ويصل، ويحكي وَيُشِير، فَذَاك يزين الْأَدَب كَمَا يتزين بالأدب. رب ذنبٍ مِقْدَار الْعقُوبَة عَلَيْهِ إِعْلَام المذنب لَهُ، وَلَا يُجَاوز بِهِ حد الارتياع إِلَى الْإِيقَاع. إِن للأزمان المذمومة والمحمودة أعماراً وآجالاً كأعمار النَّاس وآجالهم؛ فَاصْبِرُوا لزمان السوء حَتَّى يفنى عمره، وَيَأْتِي أَجله. أَسبَاب فتن النِّسَاء ثلاثةٌ: عينٌ ناظرةٌ، وصورةٌ مُوَافقَة، وشهوة قادرةٌ؛ فالحكيم من لم يردد النظرة حَتَّى يعرف حقائق الصُّورَة، وَلَو أَن رجلا رأى امْرَأَة فوافقته ثمَّ طالبها فتأبت عَلَيْهِ، هَل كَانَ إِلَّا تاركها؟ فَإِن تأبى عَلَيْهِ عقله فِي مطالبتها كتأبيها عَلَيْهِ فِي مساعفتها، وقدع نَفسه عَن لذته، قدع الغيور إِيَّاه عَن حرمته سليم. يَنْبَغِي للعاقل أَن يُغني أَوْلَاده فِي حَيَاته ليؤدبهم فِي حَال الْغنى، وَيُعلمهُم سياسة النِّعْمَة، وَإِلَّا ظفروا بالغنى بعده وهم جهالٌ بِهِ، فَلم يكتسبوا حَمده، وأسرعوا للتعري، وحصلوا على ذمّ الصاحب، وَنَدم العواقب. اجهل مِمَّن لَا يكْتَسب الإخوان من ينفقهم. مُشَاورَة الحازم المشفق ظفر، ومشاورة المشفق غير الحازم خطر. لَا يكن فقرك كفرا، وغناك طغياناً. المشورة راحةٌ لَك، وتعبٌ على غَيْرك. مَا تكَاد الظنون تزدحم على أمرٍ مستورٍ إِلَّا كشفته. يَنْبَغِي للعاقل أَن يكْتَسب بِبَعْض مَاله المحمدة، ويصون بِبَعْضِه نَفسه عَن الْمَسْأَلَة. من أَكثر مذاكرة الْعلمَاء لم ينس مَا علم، واستفاد مَا لم يعلم، خير الْمَعْرُوف مَا لم يتقدمه المطل، وَلم يتبعهُ الْمَنّ. الْمَعْرُوف كنزٌ فَانْظُر من تودعه. من ترك الْعقُوبَة أغرى بالذنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>