ثمَّ اسْتَأْذن الْوَلِيد فِي الرحيل. فَلَمَّا قرب من الْمَدِينَة مَال إِلَى ضَيْعَة بالفرع؛ فَقيل لَهُ: تدع الْمَدِينَة فَقَالَ: مَا بَقِي بهَا إِلَّا حاسدٌ لنعمة، أَو شامت بمصيبة. وَيُقَال: قَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة، مجالسكم لاغية، ونفوسكم لاهية، وتقواكم واهية، والبعد مِنْكُم عَافِيَة. وَأَتَاهُ المعزون وَفِيهِمْ عِيسَى بن طَلْحَة فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، مَا كُنَّا نعدك للسباق، وَمَا فَقدنَا مِنْك إِلَّا أيسر مَا فِيك، إِذْ أبقى الله لنا سَمعك وبصرك وعقلك. فَقَالَ عُرْوَة:" لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا ". وَيُقَال: إِنَّه لم يظْهر مِنْهُ مَعَ مَا أَصَابَهُ جزعٌ غير هَذَا الْيَسِير. وتنقص بعض آل الزبير عليا رَضِي الله عَنهُ؛ فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: وَالله مَا بنى النَّاس شَيْئا قطّ إِلَّا هَدمه الدّين، وَلَا بنى الدّين شَيْئا قطّ. فاستطاعت الدُّنْيَا هَدمه، ألم تَرَ إِلَى عليٍّ، كَيفَ تظهر بَنو مَرْوَان عَيبه وذمه، فلكأنما يَأْخُذُونَ بناصيته رفعا إِلَى السَّمَاء؟ وَترى مَا يندبون بِهِ موتاهم من المديح، فو الله لكَأَنَّمَا يكشفون عَن الْجِيَف. ذكر مُعَاوِيَة لِابْنِ الزبير بيعَة يزِيد، فَقَالَ ابْن الزبير: أَنا، أناديك وَلَا أناجيك؛ إِن أَخَاك من صدقك، فَانْظُر قبل أَن تقدم، وتفكر قبل أَن تندم، فَإِن النّظر قبل التَّقَدُّم، والتفكر قبل التندم؛ فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ: تعلمت، أَبَا بكر الشجَاعَة عِنْد الْكبر. مر عبد الله بن حسن بن حسنٍ - رَضِي الله عَنْهُم - بعامر بن خبيب بن عبد الله بن الزبير وَهُوَ بمر، فَقَالَ لَهُ: نزلت مرا فمرر عَلَيْك عيشك فَقَالَ: بل نزلت مرا فِي مالٍ طَابَ لي أكله؛ إِذْ أَنْت متلوثٌ فِي أدناس بني مَرْوَان. فَقَالَ عبد الله: أما وَالله لَوْلَا عَمَّتي - يَعْنِي: صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب - كنت كبعض بني حميد - يَعْنِي حميد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى - فِي شعاب مَكَّة. فَقَالَ لَهُ عَامر: فمنة عَمَّتي عَلَيْك أعظم، لَوْلَا عَمَّتي كنت كبعض بني عقيل بِالْأَبْطح - يَعْنِي: بعمته خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا. قَالَ عبد الله بن عُرْوَة: انْطَلَقت مَعَ عبد الله بن الزبير حَتَّى قعدت بَين يَدي الْحسن بن عليٍّ رَضِي الله عَنْهُمَا؛ فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وخطب إِلَيْهِ