مقعولٌ، على نَفسك، فَإنَّك إِن تهنها تَجِد بهَا على النَّاس هواناً، ألم تسمع قَول الشَّاعِر: ونفسك فاكرمها فَإنَّك إِن تهن ... عَلَيْك فَلَنْ تلقى لَهَا الدَّهْر مكرما وَإِنِّي لأقسم لَهُ لَئِن لم تَنْتَهِ عَمَّا يبلغنِي عَنْك لتجدن جَانِبي خشناً، ولتجدني إِلَى مَا يردعك عجلاً؛ فر رَأْيك مُمكنا لَك، فَإِن أشفى بك على الردى فَلَا تلم إِلَّا نَفسك وَالسَّلَام. فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس: أما بعد، فقد بَلغنِي كتابك، تذكر أَنِّي أفتى النَّاس بِالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا يُفْتِي بِالْجَهْلِ من لم يُؤْت شَيْئا من الْعلم، وَقد - وَالْحَمْد لله - آتَانِي الله من الْعلم مَا لم يؤته أَبَاك وَلم يؤته إياك. وَذكرت أَن حلمك عني هُوَ جرأتي عَلَيْك، وَتقول: اكفف من غربك واربع على ظلعك، وتضرب لي الْأَمْثَال أَحَادِيث الضبع استها. فَمَتَى رَأَيْتنِي لعرامك هائباً، وَعَن حدك ناكلاً؟ وَتقول: إِن لم أكفف عَمَّا يبلغك عني وجدت جَانِبك خشناً، ووجدتك إِلَيّ عجلاً، فَلَا أبقى الله عَلَيْك إِن أبقيت، وَلَا أرعى إِن أرعيت. فوَاللَّه لَا أَنْتَهِي عَن قولٍ بِالْحَقِّ، وصنعة أهل الْعدْل وَالْفضل، وذم الأخسرين أعمالاً. " الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا " وَالسَّلَام. خرج عُرْوَة بن الزبير إِلَى الْوَلِيد، فوطئ عظما، فَلم يبلغ دمشق حَتَّى ذهب بِهِ كل مَذْهَب؛ فَجمع الْوَلِيد الْأَطِبَّاء، فأجمع رَأْيهمْ على قطعهَا، فَقَالُوا لَهُ: اشرب مرقدا؛ فَقَالَ: مَا أحب أَن أغفل عَن ذكر الله، فأحمي لَهُ منشار، وَكَانَ قطعا وحسما، فَمَا توجع، وَقَالَ: ضعوها بَين يَدي؛ لَئِن كنت ابْتليت فِي عُضْو لقد عوفيت فِي أَعْضَاء. فَبينا هُوَ على ذَلِك أَتَاهُ نعي ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ قد اطلع من سطح على دَوَاب للوليد، فَسقط بَينهَا فخبطته؛ فَقَالَ عُرْوَة: الْحَمد لله؛ لَئِن أخذت وَاحِدًا لقد أبقيت جمَاعَة؛ وَلَئِن ابْتليت فِي عُضْو لقد أبقيت أَعْضَاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute