وَقَالَ لَهُ عبيد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان: اعذرني، فَإِنِّي مشغولٌ. فَقَالَ: إِذا فرغت لم أحتج إِلَيْك. وَسلم نجاح بن سَلمَة إِلَى مُوسَى بن عبد الْملك ليستأديه مَالا، فَتلف فِي الْمُطَالبَة؛ فلقي بعض الرؤساء أَبَا العيناء، وَقَالَ لَهُ: مَا عنْدك من خبر نجاح؟ قَالَ: " فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ "؛ فبلغت كَلمته مُوسَى ابْن عبد الْملك؛ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: أبي تولع؟ وَالله لأقومنك. فَقَالَ: " أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس ". وَقَالَ يَوْمًا لِابْنِ مكرم: أَلَسْت عفيفاً؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِنَّك عفيف الْفرج زاني الْحرم. فَقَالَ: إِنَّمَا ذَاك مُنْذُ تزوجت بأمك. وغداه ابْن مكرم؛ فَقدم إِلَيْهِ عراقاً، فَلَمَّا جسه قَالَ: قدركم هَذِه طبخت بالشطرنج. وَقدم إِلَيْهِ يَوْمًا قدرا فَوَجَدَهَا كَثِيرَة الْعِظَام؛ فَقَالَ: هَذِه قدرٌ أم قبر؟ . وَأخْبر أَن ابْنه أعتق عَبده؛ فَقَالَ: إِن جَازَ لَهُ هَذَا فليطلق على أمه الزَّانِيَة. وَقَالَ لَهُ رجلٌ من بني هَاشم: بَلغنِي أَنَّك بغاء. قَالَ: وَلم أنْكرت ذَاك مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مولى الْقَوْم مِنْهُم "؟ . قَالَ: إِنَّك دعِي فِينَا. قَالَ: بغائي صحّح نسبي فِيكُم. وَسَأَلَ الجاحظ كتابا إِلَى مُحَمَّد بن عبد الْملك فِي شَفَاعَة لصاحبٍ لَهُ؛ فَكتب الْكتاب، وناوله الرجل، فَعَاد بِهِ إِلَى أبي العيناء، وَقَالَ: قد أسعف. قَالَ: فَهَل قرأته؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ مختوم. قَالَ: وَيحك، فض طينةٍ أولى من حمل ظنةٍ، لَا يكون صحيفَة المتلمس؛ ففض الْكتاب؛ فَإِذا فِيهِ: موصل كتابي سَأَلَني فِيهِ أَبُو العيناء، وَفد عرفت سفهه وبذاء لِسَانه، وَمَا أرَاهُ لمعروفك أَهلا، فَإِن أَحْسَنت إِلَيْهِ فَلَا تحسبه عَليّ يدا، وَإِن لم تحسن لم أعتده عَلَيْك ذَنبا وَالسَّلَام. فَركب أَبُو العيناء إِلَى الجاحظ. وَقَالَ لَهُ: قد قَرَأت الْكتاب يَا أَبَا عُثْمَان، فَخَجِلَ الجاحظ، وَقَالَ: يَا أَبَا العيناء، هَذِه علامتي فِيمَن أعتني بِهِ. قَالَ: فَإِذا بلغك أَن صَاحِبي قد شتمك فَاعْلَم أَنه علامته فِيمَن شكر معروفه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute