وَدخل على مُحَمَّد بن عبد الْملك، فَجعل لَا يكلمهُ إِلَّا بأطرافه؛ فَقَالَ: إِن من حق نعمه أَن تجْعَل البسطة لأهل الْحَاجة إِلَيْك، فَإِن من أوحش انقبض عَن الْمَسْأَلَة، وبكثرة الْمَسْأَلَة مَعَ النجح يَدُوم السرُور. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: أما إِنِّي أعرفك فضولياً كثير الْكَلَام وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس؛ فَكتب إِلَيْهِ: قد علمت أَن الْحَبْس لم يكن من جرمٍ تقدم إِلَيْك، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن تريني مِقْدَار قدرتك عَليّ؛ لِأَن كل جديدٍ يستلذ، وَلَا بَأْس أَن ترينا من عفوك حسب مَا أريتنا من قدرتك. فَأمر بِإِطْلَاقِهِ، ثمَّ لقِيه بعد أيامٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا العيناء، مَا تَزُورنَا حسب نيتنا فِيك؟ . فَقَالَ: أما نيتك فمتأكدة، وَلَكِن أرى أَن الَّذِي جدد الاستبطاء فرَاغ حَبسك، فَأَحْبَبْت أَن تشغله بِي. وَاعْتَرضهُ يَوْمًا أَحْمد بن سعيد، فَسلم عَلَيْهِ؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: من أَنْت؟ قَالَ: أَحْمد بن سعيد؛ فَقَالَ: إِنِّي بك لعارف، وَلَكِن عهدي بصوتك يرْتَفع إِلَيّ من أَسْفَل، فَمَاله ينحدر عَليّ من علو؟ قَالَ: لِأَنِّي رَاكب. قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. لعهدي بك وَأَنت فِي طمرين لَو أَقْسَمت على الله فِي رغيفٍ لأعضك بِمَا تكره. وَقَالَ يَوْمًا لِعبيد الله بن سُلَيْمَان: إِلَى كم يرفعني الْوَزير، وَلَا يرفع بِي رَأْسا؟ . وَقَالَ لَهُ يَوْمًا: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: أَنْت الْحَال، فَإِذا صلحت صلحت. وقربه يَوْمًا؛ فَقَالَ: تقريب الْوَلِيّ وحرومان الْعَدو. وَقيل لَهُ: أتشرب النَّبِيذ؟ فَقَالَ: " وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه ". وَقَالَ يَوْمًا لِعبيد الله بن يحيى: أَيهَا الْوَزير، قد برح بِي حجابك؛ فَقَالَ لَهُ: ارْفُقْ. فَقَالَ: لَو رفق بِي فعلك رفق بك قولي. وَقَالَ يَوْمًا لعيسى بن فرخانشاه، وَقد بَالغ أَحْمد بن الْمُدبر: أتبالغه، وَشطر اسْمك عني، وَمَا بَقِي فثلثا مسي؟ . وَقيل: لَا تعجل، فَإِن العجلة من الشَّيْطَان؛ فَقَالَ: لَو كَانَ كَذَلِك لما قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: " وعجلت إِلَيْك رب لترضى ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute