للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْن وثاب لأبي العيناء يَوْمًا: أَنا وَالله أحبك بكليتي. فَقَالَ أَبُو العيناء: إِلَّا عضوٌ واحدٌ مِنْك أيدك الله؛ فَبلغ ذَلِك ابْن أبي دواد، فَقَالَ: قد وفْق فِي التَّحْدِيد عَلَيْهِ. وَقَالَ: أَنا أول من أظهر العقوق بِالْبَصْرَةِ. قَالَ لي أبي: يَا بني؛ إِن الله قرن طَاعَته بطاعتي؛ فَقَالَ: " اشكر لي ولوالديك ". فَقلت: يَا أَبَت إِن الله ائتمنني عَلَيْك، وَلم يأتمنك عَليّ؛ فَقَالَ: " وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق ". وَقبل يَد سُلَيْمَان بن وهب؛ فَقَالَ: أَنا أرفعك عَن هَذَا. فَقَالَ أَبُو العيناء: أترفعني عَمَّا يرْتَفع النَّاس إِلَيْهِ؟ . وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي مَالك بن طوق؟ فَقَالَ: لَو كَانَ فِي زمَان بني إِسْرَائِيل، ثمَّ نزلت آيَة الْبَقَرَة مَا ذَبَحُوا غَيره. وَقَالَ لبَعض الْكتاب: وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن يزيلك الْقدر عَن الْقُدْرَة حَتَّى تحصل على المذمة وَالْحَسْرَة. وَقَالَ: فلج بعض المجان، فرأيته وَهُوَ يَأْكُل سمكًا ولبناً، فعاتبته على ذَلِك؛ فَقَالَ: آمن مَا يكون الطَّرِيق إِذا قطع. وَقَالَ: مَا لقى إِبْلِيس من المبلغين كلما نسوا لعنوه. وَدخل على المتَوَكل وَهُوَ يَبْنِي الْجَعْفَرِي؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا العيناء؛ كَيفَ ترى دَارنَا؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، النَّاس يبنون الدّور فِي الدُّنْيَا، وَأَنت تبني الدُّنْيَا فِي دَارك. وَسَأَلَهُ المتَوَكل عَن مَيْمُون بن إِبْرَاهِيم صَاحب الْبَرِيد، فَقَالَ: يَد تسرق، واستٌ تضرط، مثله مثل يهوديٍّ سرق نصف جزيته، فَلهُ إقدامٌ بِمَا أدّى، وإحجامٌ بِمَا أبقى، إساءته عمدٌ، وإحسانه تكلّف. وَتكلم ابْن ثوابة يَوْمًا فتقعر ثمَّ لحن؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو العيناء: تقعرت حَتَّى خفتك، ثمَّ تكشفت حَتَّى عفتك. وَقَالَ لَهُ أَبُو الصَّقْر: مَا أخرك عَنَّا؟ قَالَ: سرق حماري، وكرهت مِنْهُ العواري، وذلة المكاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>