للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل لمَجْنُون: أَيَسُرُّك أَن تصلب فِي صَلَاح هَذِه الْأمة؟ . قَالَ: لَا، وَلَكِن يسرني أَن تصلب الْأمة فِي صلاحي. قَالَ دَاوُد الْمُصَاب لصديق لَهُ: رَأَيْت البارحة رُؤْيا نصفهَا حق، وَنِصْفهَا بَاطِل، رَأَيْت كَأَنِّي قد حملت على عَاتِقي بدرة، فَمن ثقلهَا خريت فانتبهت فَرَأَيْت الخرا، وَلم أر البدرة. سمع مجنونٌ رجلا يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تأخذنا على غَفلَة. فَقَالَ: إِذا لَا يأخذك أبدا. قَالَ بَعضهم: كَانَ بِالشَّام مجنونٌ يستطرف حَدِيثه، قَالَ: رَأَيْته يَوْمًا وَقد رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: النَّاس كَذَا يعْملُونَ، وهذيانٌ كثير. قيل لَهُ: مَا تَقول؟ وَيحك. قَالَ: أعاتب رَبِّي. قيل: فَكَذَا يُخَاطب الله. قَالَ: قلت لَهُ: بدل مَا خلقت مائَة وجوعتهم لَو كنت تخلق عشرَة وتشبعهم لَكَانَ خيرا. جَاءَ مجنونٌ إِلَى يزِيد بن هَارُون، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِد؛ أَلَيْسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَوْلَا أَن الْكلاب أمةٌ من الْأُمَم لأمرت بقتلها، وَلَكِن اقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم ". قَالَ يزِيد: نعم. فَقَالَ الْمَجْنُون: أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى: " وَإِن من أمةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نذيرٌ ". فَمن نَذِير الْكلاب؟ قَالَ: فتحير يزِيد فِي جَوَابه. فَقَالَ لَهُ الْمَجْنُون: تحب يَا أَبَا خَالِد أَن أعرفك نَذِير الْكلاب؟ قَالَ: نعم، فَأخذ حجرا فَرمى بِهِ كَلْبا بِالْقربِ مِنْهُ؛ فَعدا الْكَلْب يعوي وينبح؛ فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِد؛ الْحجر نَذِير الْكلاب. سَأَلَ بعض الْوُلَاة عَن أبي نصر الْهَرَوِيّ ليعبر لَهُ رُؤْيا رَآهَا، فَقيل لَهُ: هُوَ بمرو يأوي الصَّحرَاء؛ فَبعث إِلَيْهِ، فَأتي بِهِ؛ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَن فِي كمي عصافير؛ فَجعلت تفلت وَاحِدَة وَاحِدَة، وَتَطير؛ فَلَمَّا كَانَ آخر عصفورةٍ كَادَت تفلت، فحبستها. قَالَ الْمَجْنُون: أكلت عدسية، فَبت تضرط ليلتك؛ فَلَمَّا كَانَ آخرهَا أردْت أَن تسلح فحبسته. فَقَالَ الْوَالِي: اسْكُتْ قبحك الله. قَالَ: هُوَ وَالله مَا قلت. فَلَمَّا خرج قَالَ الرجل: وَالله مَا أَخطَأ شَيْئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>