للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رثي بهْلُول مغموماً يبكي؛ فَقيل: مَا يبكيك؟ . قَالَ: كَيفَ لَا أبْكِي؟ وَقد جَاءَ الشتَاء وَلَيْسَ لي جُبَّة. فَقيل: لَا تبك؛ فَإِن الله لَا يدعك بِلَا جُبَّة. قَالَ: بلَى وَالله. عَام أولٍ تركني بِلَا جُبَّة وَلَا سَرَاوِيل، وأخاف أَن يدعني الْعَام بِلَا جُبَّة وَلَا سَرَاوِيل وَلَا قلنسوة. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت يَوْمًا ببهلول، وَهُوَ يَأْكُل فرنية حوارِي مَعَ دجَاجَة، فَقلت لَهُ: يَا بهْلُول؛ أَطْعمنِي مِمَّا تَأْكُل، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لي - وحياتك - هَذَا دَفعته إِلَيّ أم جعفرٍ آكله لَهَا. نظر رجلٌ إِلَى جماعةٍ من المجان حول مَجْنُون، فَقَالَ لَهُ: ادخل إِلَى بعض الْمَوَاضِع حَتَّى يتفرقوا عَنْك. قَالَ: إِذا جَاعُوا انصرفوا. قيل لبهلول: تَأْخُذ درهما وتشتم فَاطِمَة؟ . قَالَ: لَا، وَلَكِن هاتوا نصف درهمٍ حَتَّى أشتم عَائِشَة، وَأَزِيدكُمْ أَبَاهَا. كَانَ الجهجاه مَجْنُونا، وَكَانَ يَدعِي الْخلَافَة، فَأدْخل على الرشيد، وَعِنْده أَبُو يُوسُف القَاضِي، فَقَالَ: جَعْفَر بن يحيى كالهازئ بِهِ: هَذَا أَمِير الضراطين. يزْعم أَنه أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: لَو كنت كَذَلِك أوسع إمرةً من صَاحبك؛ لِأَن الضراط عامٌ، وَالْإِيمَان خاصٌ. قَالَ لَهُ الرشيد: لأضربنك بالسياط حَتَّى تقر بالزندقة. قَالَ: فَإِذا أَقرَرت ترى قَتْلِي؟ . قَالَ: نعم، قَالَ: فَالْتَفت إِلَى أبي يُوسُف، وَقَالَ: يَا يَعْقُوب؛ لَيْسَ لصاحبنا فقهٌ. قيل لبهلول: أيكفي اثْنَيْنِ رأسٌ وَاحِد؟ . قَالَ: إِذا كَانَ أَحدهمَا نَائِما. وَحضر مَجْلِسا فِيهِ قوم يتذاكرون الحَدِيث، فرووا عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: لَو أدْركْت لَيْلَة الْقدر مَا سَأَلت رَبِّي إِلَّا الْعَفو الْعَافِيَة. فَقَالَ بهْلُول: وَالظفر بعليٍّ يَوْم الْجمل. وَحكى أَن صَاحب المارستان أَتَاهُ بقدح فِيهِ دَوَاء، وَقَالَ لَهُ: اشرب يَا بن الزَّانِيَة؛ فَقَالَ: هَات حَتَّى أشربه وَالله أعلم أَنَّك أَحَق بِهِ مني. وَلما حمل إِلَى المارستان سَأَلَ النَّاس أَن يأذنوا لَهُ فِي أَن يلم ببيته، ويوصي أَهله بشيءٍ، فمنعوه، فَقَرَأَ: " فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصيةً وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>