وَجَاز بهْلُول بسوق البزازين، فَرَأى قوما مستجمعين على بَاب دكان ينظرُونَ إِلَى نقبٍ قد نقب على بَعضهم، فَاطلع فِي النقب، ثمَّ قَالَ: وكلكم لَا تعلمُونَ ذَا من عمل من؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي أعلم. فَقَالَ النَّاس: هَذَا مجنونٌ يراهم بِاللَّيْلِ وَلَا يتحاشونه، فأنعموا لَهُ القَوْل لَعَلَّه يخبر بذلك. فَسَأَلُوهُ أَن يُخْبِرهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي جَائِع، فهاتوا أَرْبَعَة أَرْطَال رقاقٍ ورأسين، فأحضروا ذَلِك وَأكل، فَلَمَّا استوفى قَالَ: هوذا أشتهي شَيْئا حلواً، فأحضروا لَهُ رطلين فالوذج فَأَكله، وَفرغ مِنْهُ وَقَامَ وَتَأمل النقب، ثمَّ قَالَ: كأنكم السَّاعَة لَسْتُم تعلمُونَ هَذَا من عمل من؟ . قَالُوا: لَا. قَالَ: هَذَا من عمل اللُّصُوص لَا شكّ. وَعدا. ولع الصّبيان بعيناوة، وصاحوا عَلَيْهِ، ورموه، فهرب مِنْهُم فاستقبلته امرأةٌ مَعهَا صبيٌ صَغِير، فَدَنَا مِنْهَا وَلَطم الطِّفْل لطمةً كَادَت تَأتي عَلَيْهِ، فَقَالَت الْمَرْأَة: قطعت يدك إيش أذْنب هَذَا إِلَيْك. قَالَ: يَا قحبة؛ هَذَا يكون غَدا شرا من هَؤُلَاءِ الكشاخنة. ركب الْهَادِي يَوْمًا، فَنظر إِلَى مَجْنُون يلقب بكسرة؛ ويرمى من يَقُول هَذَا اللقب، وَيعْمل الْعَجَائِب؛ فَأمر بِحمْلِهِ إِلَى الدَّار، فَقَالَ لَهُ: لم تَشْتُم النَّاس إِذا قَالُوا لَك: كسرة؟ . قَالَ: وَلم تضرب الْأَعْنَاق إِذا قيل لَك: مُوسَى اطبق؟ . قَالَ: أَنا لَا أغضب من هَذَا. قَالَ: فصح أَنْت بِي ثَلَاث مراتٍ، وأصيح مرَّتَيْنِ فَنَنْظُر من يحرد. قَالَ: قد رضيت. فَقَالَ الْهَادِي: يَا كسرة؛ يَا كسرة. ثَلَاث مَرَّات، وطولها، فَلم يلْتَفت الْمَجْنُون، وَلم يَتَحَرَّك وَلم يحرد، ثمَّ صَاح: يَا مُوسَى اطبق. فَلم يَتَحَرَّك الْهَادِي، فَقَالَ الْمَجْنُون: مَا يتغافل إِلَّا من أمه قحبة. فحرد الْهَادِي، ودعا بالنطع وَالسيف، فَقَالَ الْمَجْنُون: كَيفَ رَأَيْت؟ كَانَ الْمَجْنُون وَاحِدًا، صرنا اثْنَيْنِ. وَأَنا أَيْضا هَكَذَا؛ لَو قَالُوا: يَا كسرة؛ يَا رغيف. ألف سنة مَا باليت، وَلَكِن كَذَا يَقُولُونَ لي إِذا تغافلت. فَضَحِك الْهَادِي وَأمر لَهُ بجائزة. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت مجنونين قد رفعا إِلَى بعض أَصْحَاب الشَّرْط، وَقد تواثبا وتخاصما؛ فَقَالَ لأَحَدهمَا: لم فعلت هَذَا؟ . قَالَ: لِأَنَّهُ وثب عَليّ وشجني؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute