للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما مَاتَ وَالِد بهْلُول خلف سِتّمائَة دِرْهَم، فحظر عَلَيْهِ القَاضِي، فَجَاءَهُ يَوْمًا، وَقَالَ: أَيهَا القَاضِي؛ ادْفَعْ إِلَيّ مائَة دِرْهَم، حَتَّى أقعد فِي الحلقات فَإِن أَحْسَنت أَن أتجربها دفعت إِلَيّ الْبَاقِي. فَدفع إِلَيْهِ ذَلِك، فَذهب وأتلفه وَعَاد إِلَى مجْلِس القَاضِي. وَقَالَ: إِنِّي قد أتلفت الْمِائَة، فتفضل بردهَا فقد أَسَأْت إِذْ دفعت إِلَيّ ذَلِك، وَلم يثبت عِنْدِي رشدي. فَقَالَ القَاضِي: صدقت، وَالْتزم الْمِائَة فِي مَاله. كَانَ مجنونٌ يُؤْذِيه الصّبيان، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: تُرِيدُ أَن أطردهم عَنْك؟ . فَقَالَ: نعم، وتنطرد أَيْضا مَعَهم. قَالَ مجنونٌ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أجل مني، لَا أحاسب فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة. قَالَ الرشيد لبهلول: من أحب النَّاس إِلَيْك؟ فَقَالَ: من أشْبع بَطْني. فَقَالَ: أَنا أشبعك، فَهَل تحبني؟ . قَالَ: الْحبّ بِالنَّسِيئَةِ لَا يكون. كَانَ مجنونٌ يخْتَلف إِلَى المآتم، وَيَدْعُو، ورسمه أَن يعْطى دِرْهَمَيْنِ، فاتفق أَن آل الزبْرِقَان لم يمت مِنْهُم أحدٌ سِنِين كَثِيرَة، ثمَّ مَاتَ مِنْهُم وَاحِد فَحَضَرَ الْمَجْنُون، وَأعْطِي دِرْهَم وَاحِدًا. فَقَالَ: من كَثْرَة مَا تموتون حَتَّى نقصتم رسمي. وَكَانَ مجنونٌ آخر يحضر المآتم، ورسمه أَن يعْطى ثَلَاثَة أرغفة فَحَضَرَ يَوْمًا بعض الْمَوَاضِع وَأعْطِي سِتَّة أرغفة؛ فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخرج قَالَ لأَصْحَاب التَّعْزِيَة: اذْكروا أَنه قد بقى لكم عَليّ ميتٌ آخر. قَالَ: لما ضمت الْمَدِينَة إِلَى الْحجَّاج مَعَ مَكَّة خرج إِلَيْهَا؛ فَبينا هُوَ يسير إِذْ قَالَ لأَصْحَابه: تَأَخَّرُوا حَتَّى أحدث نَفسِي؛ فتاخروا. وَمضى على حِمَاره حَتَّى انْتهى إِلَى مبقلة، فَإِذا رجلٌ جالسٌ على شَفير بئرٍ، فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَقُول النَّاس فِي أَمِيرهمْ؟ . فَقَالَ: يَقُولُونَ: ظالمٌ متعدٍ ملعونٌ. قَالَ الْحجَّاج: أتعرفني؟ . قَالَ: لَا. قَالَ: أَنا الْحجَّاج. قَالَ الرجل: أتعرفني أَنْت؟ . قَالَ: لَا. قَالَ: أَنا مولى بني ثَوْر، أصرع فِي كل شهرٍ ثَلَاثَة أَيَّام، الْيَوْم أَولهَا وأشدها؛ فَضَحِك الْحجَّاج وَلم يَتَمَالَك، وَمضى، ولحقه النَّاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>