للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَأْذن جحظة على صديقٍ لَهُ مبخلٍ؛ فَقَالَ غلمانه: هُوَ محمومٌ؛ فَقَالَ لَهُم: كلوا بَين يَدَيْهِ حَتَّى يعرق. وَقَالَ جحظة: أكلت مَعَ بخيلٍ مرّة؛ فَقَالَ لي: يَا هَذَا، مَا رَأَيْت أذلّ من الرَّغِيف فِي يدك. أصَاب أعرابيٌّ درهما فِي كناسَة الْكُوفَة؛ فَقَالَ: أبشر أَيهَا الدِّرْهَم، وقر قرارك فطالما خيض فِيك الغمار، وَقطعت فِيك الْأَسْفَار، وَتعرض فِيك للنار. أهل مروٍ موصوفون بالبخل، وَمن عَادَتهم إِذا ترافقوا فِي سفرٍ أَن يَشْتَرِي كل واحدٍ مِنْهُم قِطْعَة لحم، ويشدها فِي خيط، ويجمعون اللَّحْم كُله فِي قدرٍ، ويصبون عَلَيْهِ المَاء ويطبخونه، ويمسك كل واحدٍ مِنْهُم طرف الْخَيط الَّذِي قد شده فِي لَحْمه، فَإِذا نَضِجَتْ الْقدر جر كل وَاحِد خيطه، وَتفرد بِأَكْل مَا فِيهِ، وتسعدوا على المرقة. ويحكى أَن وَاحِدًا مِنْهُم لم يخرج ثمن البرر للسراج؛ فشدوا عينه لِئَلَّا يرى السراج. قَالَ: وَمن طرائف أُمُورهم أَنهم يستعملون الْخَادِم فِي سِتَّة أعمالٍ فِي وقتٍ واحدٍ: تحمل الصَّبِي، وَتَشْديد اليريند فِي صدرها، فتدور وتطحن وَفِي ظهرهَا سقاء تمخضه باختلافها وحركتها، وتدوس طَعَاما قد ألقِي تَحت رِجْلَيْهَا، وتلقى الْحِنْطَة فِي الرحا، وتطرد العصافير عَن طَعَام قد وكلت بِهِ. كَانَ بعض البخلاء، إِذا صَار فِي يَده خاطبه وناجاه، وفداه واستبطاه، وَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي. كم من أرضٍ قطعت، وكيسٍ خرقت، وَكم من خاملٍ رفعت، وَكم من رفيع أخملت لَك عِنْدِي أَلا تعرى وَلَا تضحى، ثمَّ يلقيه فِي كيسه وَيَقُول: اسكن على اسْم الله فِي مكانٍ لَا تَزُول عَنهُ، وَلَا تزعج مِنْهُ. ذكر ثُمَامَة مُحَمَّد بن الجهم، فَقَالَ: لم يطْمع أحدا فِي مَاله إِلَّا ليشغله بالطمع فِيهِ عَن غَيره، وَلَا شفع لصديقٍ، وَلَا تكلم فِي حاجةٍ إِلَّا ليلقن الْمَسْئُول حجَّة منع، وليفتح على السَّائِل بَاب حرمَان.

<<  <  ج: ص:  >  >>