للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بعض الْكُوفِيّين: عَلامَة نجابة الصَّبِي فِي ثلاثٍ: عرامته، وجبنه وبخله؛ فَإِنَّهُ لَا يكون شَدِيد العرامة إِلَّا من جودة نَفسه، وَلَا يبخل إِلَّا من مَعْرفَته، وَلَا يجبن إِلَّا من عقله. كَانَ زيد بن مُحَمَّد بن زيد الدَّاعِي مبخلاً؛ فَلَمَّا أسر بعد مقتل أَبِيه بجرجان، وَحمل إِلَى بُخَارى وَحبس مُدَّة، ثمَّ أفرج عَنهُ سعى بِهِ بعض أعدائه إِلَى السُّلْطَان؛ فَقَالَ: إِن زيدا قد حدث نَفسه بِالْخرُوجِ عَلَيْك وَالدُّعَاء إِلَى نَفسه، وإثارة الْفِتْنَة؛ فَقَالَ أَبُو عبد الله الجيهاني - وَكَانَ وزيراً -: إِن زيدا مَا دَامَ يبْنى الْحمام من اللَّبن والطين ببخارى لَا يسمو بِنَفسِهِ إِلَى ذَلِك. وَكَانَ قد فعل ذَلِك مَعَ عفونة أَرض بُخَارى، وَقلة ثبات الْأَبْنِيَة بهَا. فصدقوه وأمنوا جَانِبه وَلم يتَعَرَّضُوا لَهُ. سَأَلَ رجل أَبَا الْأسود شَيْئا فَمَنعه؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْأسود، مَا أَصبَحت حاتمياً؛ فَقَالَ: بل أَصبَحت حاتمياً. أما سَمِعت حاتماً يَقُول: أماوي، إِمَّا مانعٌ فمبين ... وَإِمَّا عطاءٌ لَا ينهنهه الزّجر كَانَ أحيحة بن الجلاح بَخِيلًا، فَكَانَ إِذا هبت الصِّبَا طلع من أطمه؛ فَنظر إِلَى نَاحيَة هبوبها، ثمَّ يَقُول: هبي هبوبك. قد أَعدَدْت لَك ثلثمِائة وَسِتِّينَ صَاعا من عَجْوَة، أدفَع إِلَى الْوَلِيد مِنْهَا خمس تمرات فَيرد عَليّ ثَلَاثًا لصلابتها. كَانَ خَالِد بن صَفْوَان قد أجْرى لوَلَده فِي الشَّهْر ثَلَاثِينَ درهما؛ فَكَانَ يَقُول: إِن الثَّلَاثِينَ لأعبث فِي المَال من السوس فِي الصُّوف فِي الصَّيف. عذل بعض البخلاء على بخله؛ فَقَالَ: يَا قوم؛ هَب النَّاس يلوموننا على التَّقْصِير فِيمَا بَيْننَا وَبينهمْ، مَا بالهم يلوموننا على التَّقْصِير فِيمَا بَيْننَا وَبَين أَنْفُسنَا؟ . سمع أَبُو الْأسود رجلا يَقُول: من يعشي الجائع؟ . فعشاه، ثمَّ ذهب السَّائِل ليخرج، فَقَالَ: هَيْهَات. على أَن تؤذي الْمُسلمين اللَّيْلَة؛ فَوضع رجله فِي الأدهم، وَقَالَ: لَا تروع مُسلما سائراً اللَّيْلَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>