للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقف على بَابه سائلٌ وَهُوَ يَأْكُل؛ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. قَالَ: كلمةٌ مقولة. قَالَ: أَدخل؟ . قَالَ: وَرَاءَك أوسع. قَالَ: إِن الرمضاء قد أحرقت رجْلي. قَالَ: بل عَلَيْهَا. وأغلق دونه الْبَاب. وَكَانَ يمر بِهِ فَتى، وَأَبُو الْأسود على بَاب دَاره، فيدعوه إِلَى الْغَدَاء فيتورك على دَابَّته وَيَأْكُل وَأَبُو الْأسود على دكانٍ لَهُ صَغِير؛ فَلَمَّا كثر ذَلِك دس إِلَيْهِ إنْسَانا مَعَه دبة فِيهَا حَصى؛ فَلَمَّا تورك الْفَتى ليَأْكُل حرك الدبة فنفرت الدَّابَّة وَسقط الْفَتى، فاندقت عُنُقه. أرْسلت امرأةٌ من قوم أبي الْأسود ابْنهَا إِلَيْهِ أَنه يعيرها الْقدر، ويعلمه أَن أمه نذرت أَن تجْعَل للحي طَعَاما؛ فَقَالَ أَبُو الْأسود: سلوها؛ فَإِن كَانَت قَدرنَا دخلت فِي نذرها، وَإِلَّا فلتطلب غَيرهَا. وقف أَعْرَابِي على أبي الْأسود وَهُوَ يتغدى، فَسلم عَلَيْهِ، فَرد عَلَيْهِ، ثمَّ أقبل على الْأكل، وَلم يعرض عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: أما إِنِّي قد مَرَرْت بأهلك. قَالَ: ذَاك كَانَ طريقك. قَالَ: هم صَالِحُونَ. قَالَ: كَذَاك فَارَقْتهمْ. قَالَ: وامرأتك حُبْلَى. قَالَ: كَذَاك عهدتها. قَالَ: ولدت. قَالَ: مَا كَانَ لَهَا بُد من أَن تَلد. قَالَ: ولدت غلامين. قَالَ: كَذَاك كَانَت أمهَا. قَالَ: مَاتَ أَحدهمَا. قَالَ: مَا كَانَت تقوى على إِرْضَاع اثْنَيْنِ. قَالَ: ثمَّ مَاتَ الآخر. قَالَ: مَا كَانَ ليبقى بعد أَخِيه. قَالَ: وَمَاتَتْ الْأُم. قَالَ: حزنا على وَلَدهَا. قَالَ: مَا أطيب طَعَامك. قَالَ: ذَلِك حداني على أكله. قَالَ: أُفٍّ لَك مَا ألأمك. قَالَ: من شَاءَ سبّ صَاحبه. سَأَلَ رجلٌ يحيى بن أَكْثَم شَيْئا؛ فَقَالَ: كَيفَ أُعْطِيك وَفِي أَربع خلال: أَنا تميمي، ومولدي الْبَصْرَة، ومنشئي بمرو، وَأَنا قاضٍ. وَذكر بَعضهم أَنه أكل مَعَه، فَأتوا بثريدة عَظِيمَة؛ فَلَمَّا أمعن فِيهِ وجد فِي وَسطهَا قَصْعَة مكبوبة، والثريد فَوْقهَا. وَذكر بعض من كَانَ ينادم بعض كبراء هَذَا الْوَقْت. قَالَ: أكلت مَعَه من قَصْعَة واحدةٍ؛ فَكَانَ الَّذِي يَلِيهِ من الثَّرِيد خبز حوارِي، وَالَّذِي يليني خبز خشكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>