للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بِبَاب الطاق، وحارسان يأكلان، فَمر بهما حارسٌ آخر وَخَلفه كلب؛ فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: رَأَيْت مثل هَذَا الْكَلْب؟ أجرش أبرش حسن الشية، أعزل الذَّنب. فَقَالَ الآخر: لَا وَنور الله إِن كَانَ الْكَلْب كَلْبه، وَإِنَّمَا استعاره يتجمل بِهِ. قَالَ بَعضهم: نزلت فِي معسكرٍ بِإِزَاءِ قومٍ من الْجند، وَمَعَهُمْ مغنٍّ يتَغَنَّى بالعجائب، سمعته يُغني: من لقلبٍ مَا يفِيق من ألمٍ ... هائماً يهذي بخراز الْأدم قَالَ: فطرب أحدهم وَقَالَ ويلاه سنة. وحاتك، أَلِمَنْ الشّعْر؟ سَيِّدي. قَالَ: للخنساء. قَالَ: وَمن الخنساء؟ . قَالَ: فَتى من الأنباء. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت يَوْمًا مكارياً - وَهُوَ عُرْيَان - وَعَلِيهِ سَرَاوِيل خلقٌ متمزقٌ وفية تكة تَسَاوِي دِينَارا؛ فَقلت: لَو بِعْت هَذِه التكة فَقَالَ: لَا تفعل يَا شاطر مروة الرجل تكته. قَالَ: وَرَأَيْت وَاحِدًا مِنْهُم وَقد قَامَ فِي جماعةٍ من أَصْحَابه؛ فَقَالَ: يَا فتيَان هوذا، أشْرب وأسقكيم؛ فَقَالَ لَهُ وَاحِد مِنْهُم: اشرب فديتك كلنا، واسق أَي بَعْضنَا شِئْت. قَالَ: وَرَأَيْت شاطراً وَقد وقف على قبر شاطر؛ فَقَالَ: رَحِمك الله أَبَا لاش. كنت وَالله - مَا علمت - حاد السكين، فاره الصّديق، إِن نقبت فجرذٌ، وَإِن تسلقت فسنور، وَإِن استلبت فحدة، وَإِن ضربت فأرضٌ، وَإِن شربت فحب، وَلَكِنَّك الْيَوْم وَقعت فِي زَاوِيَة سوء. قيل لبَعض الشطار: كلما شهد شَاهد قبلت شَهَادَته؟ . قَالَ: لَا حَتَّى أعلم أَنه ابتلى فَصَبر، وَأَنه لَا يخبب على الأصدقاء، وَلَا يسرق الْجِيرَان. وَقَالَ بَعضهم: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى كَانَ أرْحم بالفتيان أَن يَجْعَل النَّاس كلهم فتياناً؛ فَإِنَّهُ لَا يجوز لفتىً أَن يسرق مَتَاع فَتى، وَلَا يخبب صديق فَتى، وَلَا يطْلب أثر فَتى إِلَّا أَن يكون الْغُلَام هُوَ الَّذِي يُريدهُ، وَنحن لَا بُد لنا من مالٍ ننفقه، وصديق نتخذه، فَلَو كَانَ النَّاس كلهم فتياناً هلكنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>